«سنظل نذكرك يا اسماعيل عبدالحافظ بروائعك الفذة «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية» و...». تلك عبارة قالها أحد الاعلاميين من بين آلاف العبارات والجمل التي قيلت في رحيل المخرج المصري اسماعيل عبدالحافظ. والعبارة، على قصرها، لا تضمر مديحاً سهلاً فقط، بل تختزل، بصدق، تفاصيل تجربة درامية في عالم المسلسلات العربية، عزّ نظيرها، ذلك ان مسلسلات هذا المبدع الراحل ستبقى في الذاكرة طويلاً كما تشير العبارة التي تصف تلك الأعمال ب «الروائع الفذة». «ليالي الحلمية»، بأجزائه الخمسة، يعدّ درساً بليغاً في كيفية جذب المشاهد الى الشاشة الصغيرة. فهذا العمل الذي جاء ثمرة تعاون بين عبدالحافظ والكاتب الدرامي الراحل اسامة انور عكاشة أرَّخ، من ناحية المضامين، لتاريخ مصر بتحولاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القرن العشرين، لكنه، ومن ناحية القالب الفني، بدا عملاً مفعماً بجماليات بصرية، من دون أن يفتقر الى التشويق، فضلاً عن الأداء التمثيلي الموفق لصلاح السعدني ويحيى الفخراني وصفية العمري ومحسنة توفيق وممدوح عبدالعليم وسواهم ممن حالفهم الحظ بالاشتراك في هذا العمل الذي أُنتجت منه أجزاء عدة لضرورات درامية بحتة، وليس بهدف استثمار نجاح الجزء الاول كما حصل الكثير من مسلسلات الأجزاء. وإذا أضفنا الى هذا العمل عشرات الأعمال الاخرى من «الشهد والدموع» مروراً ب «حارة المواردي» و«حدائق الشيطان» و«خالتي صفية والدير»... وصولاً الى عمله الاخير «ابن ليل» الذي عرض في رمضان الفائت، يمكن القول ان عبدالحافظ استطاع أن يؤسس ل«مدرسة درامية» استفاد من دروسها مخرجون كثر من المحيط الى الخليج. وينبغي ألا نغفل، الشراكة التي جمعته مع عكاشة، إذ قدما معاً أبرز الاعمال الدرامية المصرية مثل: «أهالينا»، و«امرأة من زمن الحب»، و«كناريا وشركاه»، و«عفاريت السيالة»، و«المصراوية». كان لوجود اسم عبدالحافظ على «تيترات» المسلسل إيقاع السحر لدى مبرمجي المسلسلات في الفضائيات العربية، وهو لم يخيّب ظن اولئك المبرمجين يوماً، بل استطاع أن يمنح العمل الدرامي قيمة وأهمية، وأن يثبت خطل تلك الرؤية النمطية القائلة إن الدراما التلفزيونية هي فن من الدرجة العاشرة... فهذا الفن تحوّل على يدي المخرج المخضرم الى مادة ترفيهية وجادة في الآن ذاته. فهو يستطلع شجون الواقع وهمومه وقضاياه، ويحتفظ بمقدار من التسلية والخفة في محاولة لتحقيق تلك المعادلة الصعبة؛ أي الجمع بين الجدية وطرح المواضيع الكبرى مع مراعاة ذائقة جمهور التلفزة المتنوع... بهذا الوعي تمكن عبدالحافظ من رصد تحولات مجتمعه وأثار الكثير من الاسئلة التي وجدت تعبيراتها، لاحقاً، في ما سمي «الربيع العربي». ولئن كنا نجهل مسارات هذا الربيع، لكننا على يقين من ان لمسلسلات عبدالحافظ عنواناً واحداً: وجدان المشاهد العربي وذاكرته.