يعد إسماعيل عبدالحافظ الذي غيّبه الموت قبل يومين، في العاصمة الفرنسية، أحد أهم أعمدة الإخراج في الدراما التلفزيونية العربية. ولقد أتى موته بعد صراع مع المرض، بدأ عقب انتهائه من تصوير آخر مشاهد مسلسله الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، «ابن ليل» من بطولة مجدي كامل وفريال يوسف وأحمد بدير ويوسف شعبان ومحمد وفيق وتأليف طارق بركات. يومها أدخل غرفة العناية المركزة في مستشفى السلام الدولي في ضاحية المعادي، إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد، وبعد التشخيص الطبي اكتشف إصابته بقصور في وظائف الكلى، وبسرعة شديدة، تشبه لقطاته التي كان يتميز بها إخراجياً، تفاقمت حالته ونصحه الأطباء المعالجون بضرورة السفر إلى باريس، وهو ما حدث قبل يوم الأربعاء الماضي. للدراما هدف واضح وإسماعيل عبدالحافظ الذي ولد عام 1941 في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ شمال دلتا مصر، يعد شيخ الدراما العربية، ليس لأنه كان من أكبر المخرجين سناً، وأكثرهم موهبة وإنتاجاً، ولكن لقدرته على اختيار مواضيع اجتماعية هادفة، لإيمانه بأن هدف الدراما يكمن في بناء أجيال جديدة وتفتيح العقول والتحريض على أوضاع سيئة، وهو ما أسفر عن عشرات الأعمال الناجحة جماهيرياً ونقدياً. لقد امتلك الراحل أدواته في شكل حرفي. وكانت لديه دقة متناهية في متابعة تفاصيل العمل ورصدها، وكان يحرص على سرعة الإيقاع حتى لا يصل بالمشاهد إلى حالة الملل أو الإخلال بالدراما ذاتها. من هنا، يعتبره جميع الفنانين الموجودين على الساحة حالياً، حالة مختلفة في الدراما المصرية والعربية، وصاحب أياد بيضاء عليهم، خصوصاً أنه منح غالبيتهم صك النجومية فيما يشبه المغامرة بالدفع بهم إلى أدوار أولى. ويعرف الجميع قدره في استخراج طاقات غير متوقعة من الممثل الذي يعمل معه. وكوَّن عبدالحافظ مع المؤلف الراحل أسامة أنور عكاشة ثنائياً يندر تكراره في الدراما العربية، استند إلى الصداقة القوية التي جمعتهما معاً منذ كانا طالبين في إحدى مدارس كفر الشيخ، ثم أثناء دراستهما الجامعية في كلية الآداب، وإلى وجود أرضية فكرية وسياسية مشتركة بينهما، وتفاهم دائم في قراءة أفكار كل منهما للآخر، وهو ما أثمر عدداً من الأعمال الرائعة ومنها «الشهد والدموع» بجزأيه الأول والثاني من بطولة عفاف شعيب ويوسف شعبان ونوال أبو الفتوح ومحمود الجندي ومجموعة من الوجوه الشابة وقتها ومنهم نسرين ومحمد العربي وإبراهيم يسري، و «ليالي الحلمية» بأجزائه الخمسة، وهو العمل الذي أرَّخ لتاريخ مصر بتحولاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القرن العشرين. ويتباهى عدد كبير من نجوم مصر حالياً بأنهم شاركوا في هذه الرائعة، فيما يتحسر نجوم كبار على كونهم لم يحالفهم الحظ في المشاركة في هذه الملحمة الكبيرة. فاتحة خير جماعية وكانت «الحلمية» فاتحة خير على عدد من الفنانين الذين تحولوا بفضل إدارته الإخراجية لهم إلى عمالقة ومنهم يحيى الفخراني وصلاح السعدني وصفية العمري ومحسنة توفيق وسهير المرشدي، ومنح فرصاً هائلة للوجوه الشابة وقتها ومنهم أثار الحكيم وإلهام شاهين وممدوح عبدالعليم وهشام سليم وعبلة كامل ولوسي، كما أنه لفت الأنظار إلى الوجوه الجديدة من أمثال صابرين وجمال عبدالناصر وحنان شوقي. وتعاون مع أسامة أنور عكاشة لاحقاً في مسلسلات «أهالينا» و «امرأة من زمن الحب» و «كناريا وشركاه» و «عفاريت السيالة»، و «المصراوية» الذي قدَّم منه جزءين قبل رحيل رفيق مشواره، مع العلم أنهما كانا ينويان تقديمه في خمسة أجزاء. إلى ذلك استطاع عبدالحافظ أن يقدم مع المؤلف وحيد حامد ملحمة فنية أخرى خلال حقبة الأحداث الإرهابية الكثيرة التي هددت أمن مصر في بداية التسعينات من القرن الماضي، وخصوصاً من خلال مسلسل «العائلة» لمحمود مرسي وليلى علوي وعزت أبو عوف وخيرية أحمد والوجهين الجديدين وقتها محمد رياض وطارق لطفي. وهو استطاع مع انتشار ظاهرة دراما «النجم الأوحد» التي اعتمدت في تسويق المسلسلات إلى الفضائيات على أسماء كبار النجوم من أمثال يحيى الفخراني ونور الشريف ويسرا وإلهام شاهين، أن يكون واحداً من هؤلاء النجوم في مجال التوزيع، حيث كان مجرد وجود اسمه على عمل فني مجرد «خاتم اختراع وجودة» على المسلسل، وضمانة لمن يعمل معه سواء من النجوم أو الوجوه الشابة. ومثلما تعاون مع كبار المؤلفين أمثال أسامة عكاشة ووحيد حامد، تعاون كذلك مع يسري الجندي (في «شارع المواردي» ليحيى شاهين وصلاح السعدني ومحمد وفيق وهالة صدقي وحمدي أحمد)، ومحمد جلال عبدالقوي (في «البر الغربي» لفاروق الفيشاوي وسناء جميل وعبلة كامل)، وكرم النجار (في «الأصدقاء» لصلاح السعدني وفاروق الفيشاوي ومحمد وفيق ونرمين الفقي)، ومحمد صفاء عامر (في «حدائق الشيطان» لجمال سليمان وسمية الخشاب ورياض الخولي)، وفايز غالي (في «الموج والصخر» لسعد أردش ونسرين ووجدي العربي ونوال أبو الفتوح). كما أنه منح الفرصة لعدد من المؤلفين الجدد الذين استفادوا الكثير من نصائحه وخبراته، ومنهم يسر السيوي («الوسية» عن قصة لحسن محسب وبطولة أحمد عبدالعزيز ومحمود حميدة وجالا فهمي، و «خالتي صفية والدير» عن قصة لبهاء طاهر وبطولة سناء جميل وبوسي وممدوح عبدالعليم وحمدي غيث)، ومحسن الجلاد، («للثروة حسابات أخرى» لصلاح السعدني ونرمين الفقي، وفتحي دياب، و «أكتوبر الآخر» لفاروق الفيشاوي وبوسي)، وأخيراً طارق بركات في «ابن ليل».