منذ اشترى صديقنا الحلاق العجوز ساعة «الكرونومتر» الدقيقة «شغل اليابان» - كما أكد لنا - بات يشعر بسعادة، يعجز هو نفسه عن تحديد أسبابها الحقيقية. وهذه الساعة، كما شرح لنا هو بنفسه، دقيقة جداً، يستخدمها منذ أسابيع وهو جالس في مواجهة جهاز التلفزيون في بيته كل مساء، في عملية يخيل الينا أن ما من أحد سبقه اليها، حتى وإن كان يعترف لنا طواعية، بأنها في نهاية الأمر لا تفيده في شيء. وتقوم هذه العملية على قياس الفترة الزمنية التي يتكلم خلالها الضيف، أو مجموعة الضيوف، في برامج الحكي السياسية، بخاصة، مقارنة بالفترة الزمنية التي يتكلم المضيفون خلالها. في كلمات أوضح، يقول صاحبنا: كنت منذ زمن بعيد مهتماً بمعرفة كيف يتم تقسيم ساعة الحوار، أو دقائقه، بين مقدم البرنامج، الذي يطرح أسئلته والضيف الذي يقوم بالاجابة. وكانت غايتي أن أرسم خطاً تراتبياً، يقارن بين كثرة أو قلة ثرثرة مقدمي البرامج، لأعطي - بيني وبين نفسي - علامات أسبوعية تثني على هذا من المقدمين، أو تنتقد ذاك، تبعاً لما يعطون أنفسهم من وقت على حساب الضيوف. «هل توصلت الى نتيجة»؟ سألناه فأجاب: لقد بدأت منذ أيام فقط، وهذه الفترة القصيرة لا تسمح لي، بعد، بتكوين، فكرة نهائية. ثم أن اهتمامي لا يزال منصباً على برامج الحكي السياسية اللبنانية، اي أنني لم اشغّل «الكرونومتر»، على المحطات العربية الأخرى.. مع يقيني بأن مذيعيها الكرام لا يقل معظمهم ثرثرة ورغبة في السيطرة على الميكروفون عن زملائهم اللبنانيين، وكأن في الأمر وباءً عاماً، أين منه وباء انفلونزا الطيور أو زميلتها انفلونزا الخنازير... لكنني في الحقيقة لم يكن لدي من الوقت ما يكفي لدراسة بقية المحطات، كما أنني لم «أدرس» حتى الآن البرامج الفنية. وهنا ابتسم حلاقنا العجوز ابتسامته الخبيثة المعتادة وهو يقول: أعرف أنك تتشوق لمعرفة ترتيب مقدمي البرامج بالنسبة الى طغيان أو عدم طغيان حديثهم على حديث ضيوفهم. لكني بصراحة لن أقول لك اليوم شيئاً عن الأسماء... ربما في مرة مقبلة. وهو، عندما لمح الخيبة في عيوننا أضاف: على أية حال، أقول لك فقط إنني في «دراستي» لنحو 15 حلقة، قدمها ثمانية مذيعين، توصلت الى ترتيب تصاعدي يتراوح بين 10 - 90، بالنسبة الى المذيع الأقل ثرثرة (أي 10 في المئة من وقت الحلقة للمذيع مقابل 90 في المئة من الوقت للضيف)، وبين 40 - 60 بالنسبة الى زميله الأكثر ثرثرة. وإذ زاد صاحبنا من عرض ابتسامته: «ربما في المرة المقبلة، إذا ظلوا هكذا، سأعطيك الأسماء.. بل سأعطيك أيضاً لائحة بأسماء المذيعين الذين يقاطعون ضيوفهم، أكثر من غيرهم، وخصوصاً حين يكون الضيف بالكاد بدأ يجيب عن سؤال وجهه اليه المضيف». وإذ سكت الحلاق وهو يشعر بالزهو والانتصار أضاف خاتماً الحديث: ولقد أعذر من أنذر!