للوهلة الأولى بدا السؤال الذي طرحه الحلاق العجوز على جاره الصحافي وهو يلقي عليه تحية الصباح، غريباً ومباغتاً، ما يعني بالضرورة أن الصحافي لم يكن مهيّئاً نفسه للإجابة عليه. فالحلاق الذي كان الحرّ منذ الصباح وانقطاع الكهرباء قد ألقياه خارج دكانه، ما إن شاهد جاره حتى قطع عليه طريقه قائلاً من دون مقدمات: «كم في رأيك عدد برامج الحكي السياسية التي تقدم أسبوعياً، من على الشاشات الصغيرة العربية ولا سيما اللبنانية منها؟» حاول الصحافي أن يقوم بإحصاء تقريبي سريع يقدم جواباً ما، غير أن الحلاق تابع كلامه مريحاً إياه من عبء تلك المهمة المستحيلة واستطرد يقول: «كثيرة بالتأكيد... لكن همّي في مكان آخر»، وهنا إذ رسم العجوز إشارة استبعادية بيده استأنف واصلاً، كما استنتج الصحافي، إلى بيت القصيد. ذلك أن ما كان يشغل باله في الحقيقة كان سؤالاً آخر: كم مرة شاهد صاحبه الذي يتابع كما هو معروف لديه كلّ برامج الحكي تلك، مفكرات أو سياسيات أو إعلاميات نساء يشاركن في تلك البرامج كضيفات يسألن رأيهنّ في هذه القضية أو تلك؟ أمام هذا السؤال الجديد حكّ الصحافي رأسه متذكراً، لكن النتيجة أتت صفرا. فهو خلال العدد الأكبر من الشهور الفائتة لم يشاهد أية امرأة مستضافة في أي من تلك البرامج... ربما مرة أو مرتين... ربما مي شدياق لمناسبة ما؟ لم يعد يذكر تماماً! وهو حين نقل هذا التأكيد إلى جاره الحلاق وقد شعر بأنه فرح بإرباكه بسؤاله... انفجر الحلاق ضاحكاً وقال بتبسّط: «أنا أجد الأمر طبيعياً، من ناحية لأن هذه المهنة العجيبة الغريبة هي أكثر تهافتاً من أن تجد لدى النساء اهتماماً بها، ثم إن النساء أنفسهن هنّ من الذكاء بحيث يعرفن أن تلك المشاركة لا تقدّم ولا تؤخر. لقد باتت فولكلوراً ساذجاً لا يحمل أي ذكاء أو طرافة أو صدق». وبعد أن سكت الحلاق ثانية ليرصد وقع كلامه على جاره أضاف: «ومع هذا جرّب أن تقف بين الجارات النساء لدى اللحّام هناك أو لدى بائع الخضروات هنالك. ولاحظ كيف أن الجارات وهنّ في الانتظار يقلن في السياسة وأحوال المجتمع وحتى في الاقتصاد، كلاماً ذكياً وصحيحاً وثورياً يفوق ألف مرة ما تقوله ثرثرات الذكور على شاشات الحكي». وهنا بعد أن سكت الحلاق ثانية أخرى زاد من عرض ابتسامته وقال: «في الحقبقة لو أتت كاميرا خفية وصورت حوارات هاته النساء بصدقها وعفويتها لكان في هذا فضيحة حقيقية للرجال. هذا يذكّرني بحكاية أهل حمص وسخرية الدمشقيين منهم، أو أهل بلجيكا وفكاهات الفرنسيين حولهم. في هذه الحالات كلها يكون الأقل أهمية هم الحاضرون لكن الأكثر ذكاء هم الغائبون... المفترى عليهم... أليس كذلك؟»