أسدل الستار أخيراً على «مهرجان المالوف» في طبعته العاشرة في قصر الملك، وسط العاصمة الليبية طرابلس، بعدما جذب عشاق هذا الفن الآتي إلى المغرب العربي من بلاد الأندلس عقب سقوط دولة الأمويين ولجوء مسلمي الأندلس إلى مدن ساحلية في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر. غير أن فن المالوف لقي في ليبيا اهتماماً خاصاً وصار أيقونة ولازمة ووصلة مهمة في حفلات الزفاف، خصوصاً في ما يعرف ب «زفّة العروس». وقد اشتهر هذا الفن وتعددت فرقه في الغرب الليبي، كما شهد تطوراًَ ملحوظاً في موسيقاه وكلماته على أيدي أساتذة وشيوخ كبار، كالراحل حسن عريبي، وقنيص وغيرهما. ويعدّ فن المالوف الآن، ونوباته (وصلاته) المغنّاة بالعربية الفصحى، من أهم ركائز الهوية الليبية، وجزءاً من التراث الراقي الذي نجا من التشويه ومن التأثر ب «التلوث الموسيقي» الوافد من هنا وهناك بعشوائية لا يسهل الحدّ من ضررها الثقافي. حضر وزير الثقافة والمجتمع الليبي، عبدالرحمن هابيل، الكثير من فعاليات المهرجان، مرتدياً الزي التقليدي الشبيه بزي فناني المالوف. وألقى، خلال حفلة الافتتاح، كلمة نوّه فيها بأهمية هذا الفن، رابطاً كلماته المغناة بقصائد صوفية شهيرة مثل «تائية» ابن الفارض وغيره، كما دعا إلى درسه بعمق وحمايته من التشويه والاندثار. وقال إنه حرص على رفع توصية إلى المسؤولين في كلية الفنون للبحث في إمكان تخصيص كرسي لفن المالوف في الكلية. وأضاف الوزير الذي تنتهي ولايته قريباً، إثر تشكيل الحكومة الجديدة من قبل أعضاء المؤتمر الوطني المنتخب: «عندما نسمع مثلاً نوبة (وصلة) «طابت أوقاتي» التي تقول: واجتمع شملي بذاتي/ وأنا أنظر في مرآتي/ والحجاب المرفوع... ألا تقفز إلى أذهاننا فوراً تائية ابن الفارض والتخييل الجميل بالمرآة فيها؟» وعرّج هابيل على جذور المالوف في الأندلس، وارتباطه بمدن اشتهرت بجمالها، «وهذه الجذور واضحة، لا سيما في الكلمات المغنّاة، فمثلاً في نوبة «نفس الحبيب»، وهي من أجمل النوبات، نسمع تغنّياً بغرناطة التي تسمّى بالاسم وتتميز، فتقول النوبة: وحسنك لما اشتهر في غرناطة وحدك». ولا يُغفل الكثير من الإشارات الأندلسية الأخرى التي يزخر بها المالوف، مثل الإشارة إلى السواقي، إذ إن نظام الريّ بالسواقي، وهو نظام أندلسي، كان موجوداً إلى عهد قريب في مدينة درنة الليبية. وشاركت في المهرجان 23 فرقة للمالوف والموشحات، وسميت هذه الدورة على اسم الفنان الراحل الشيخ محمد خير الشوشان. أما النتائج فجاءت على النحو الآتي: فرقة الشيخ محمد أبو جراد في المركز الأول، وفرقة محمد خير الشوشان في المركز الثاني، وفرقة سالم بن سعيدان في المركز الثالث. ورفعت اللجنة التنظيمية للمهرجان، تقريراً إلى وزارة الثقافة يتضمن توصيات أبرزها: رفع مستوى المهرجان من المحلية إلى الدولية، وتنظيم ندوات علمية حول فن المالوف في ليبيا، ودعم الفرق الفنية وتشجيعها مادياً لإنجاح برامجها. يذكر أن الدورة لمهرجان طرابلس للمالوف انطلقت عام 2002 واستمر بوتيرة سنوية، واعتبر مذّاك من أهم البرامج الثقافية التي تحتفي بها طرابلس الغرب.