مصرع 4 أشخاص في تحطم طائرة صغيرة بولاية إلينوي الأمريكية    آلاف الأميركيين يتظاهرون ضد ترامب    إطلاق كود البنية التحتية    إحباط تهريب أكثر من 11 كيلوغرامًا من «الشبو»    الداخلية: انتهاء تمديد فترة تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية    مصابة بالشلل لوزارة الصحة: بدأت التحسن فلماذا توقف علاجي؟    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية    تخريج الدفعة ال 22 من جامعة الملك سعود للعلوم الصحية    نشر فيديو قبل رحيله بساعات.. صدمة بسبب وفاة سليمان عيد    اللص الأتعس في العالم.. سرق7 دولارات فخسر 83 ألفاً    "الحزب" يُصعد وواشنطن تستخف والدولة لا تتراجع.. لبنان يواصل تقدمه على طريق بسط سيادته الكاملة    في ختام الجولة 28 من "روشن".. الوحدة ينعش آماله في البقاء.. والرائد يستعيد نغمة الانتصارات    في نهائي كأس آسيا تحت 17 عاماً.. الأخضر يواجه أوزبكستان لخطف اللقب    اليوم.. وللمرة الخامسة على التوالي.. حلبة كورنيش جدة تشهد السباق الرئيس لجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا1    مجلس الأعمال احتفى بمرور 30 عامًا.. ترسيخ الشراكة (السعودية – الأمريكية) في المجالات الحيوية    انطلاق فعاليات "أسبوع البيئة 2025" بمشاركة مجتمعية واسعة.. السعودية نموذج عالمي في الحفاظ على الموارد الطبيعية    الأمن العام: اعتباراً من 25 شوال دخول مكة بالتصريح    "الداخلية": ضبط 20 ألف مخالف في أسبوع    372 مستفيدًا من خدمات مركز الأطراف الصناعية بعدن.. مركز الملك سلمان يغيث المحتاحين في السودان وسيراليون    وانتهى الحب !    انطلاق فعاليات مهرجان سماء العلا 2025    "موهبة" تدرّب 289 طالباً للمشاركة في المسابقات العلمية الدولية    موجز    بيئة الزلفي : ضبط 16,650 كجم من الدقيق يستخدم كعلف لتغذية المواشي    اختيار الحكام الأجانب    النخبة الآسيوية سعودية    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس السنغال    الخصوصية الثقافية    زيلينسكي: القتال مستمر في كورسك وبيلجورود الروسيتين رغم هدنة عيد القيامة    الأستاذ أحمد نهاري يحتفل بزواج ابنه المهندس "رائد" في ليلة بهيجة    حتى تكون لغة للجميع    حوار في ممرّ الجامعة    ضمير منفصل تقديره نحن    علمني أبي "سلطان"    ثبات الخطى والعزيمة    روبوتات تنافس البشر في ماراثون بكين    الهند ترسل رائد فضاء    سعود بن طلال يستعرض الجهود الأمنية في الأحساء    "تطوير محمية الملك سلمان" تعيد 153 من المها العربي    69% من المنشآت العائلية في 3 مناطق    انطلاق النسخة الحادية عشرة من معرض الامتياز التجاري    أمير القصيم يكرم الفائزين بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن.. ويستقبل منتسبي التجمع الصحي    المرأة والأوقاف.. تأثيرٌ في خدمة المجتمع    نماذج OpenAI بهلوسة غير مسبوقة    فعالية مونجارو للوزن تمتد 3 سنوات    أطعمة سحرية تمنع نوبات القلب    الإسلامية تُشارك في معرض الرباط    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية    الحمدي ل"الرياض": "الجينات" تقودنا نحو تغذية شخصية دقيقة    100 برنامج إثرائي ب 26 مدينة    هلال المدينة يكرم المتطوعين    البيت الأبيض ينشر "أدلة" على نشأة كورونا في مختبر بالصين    غدًا.. حلبة كورنيش جدة تشهد السباق الرئيس لجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا1    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    









حبر وملح - في العطر
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 2012


العطر مفتاح ذاكرة.
يفوح عطرٌ مباغت يعيدك فوراً الى لحظةِ شممتَه أول مرة. يُشَرِّع ذكراتك على مصاريعها، ينقلك من مكان الى مكان ومن زمان الى سواه.
العطر أسرعُ آلة سائرةٍ عكس اتجاه عقارب الساعة. كل عطر يحملك الى اتجاه أو مرحلة. للطفولة عطرُها، للمراهقة عطرها، للشباب الأول، للأنوثة، للرجولة، للكهولة... وللموت عطره أيضاً!
العطر روزنامة أعمار، تقويم سابق على الميلاد والهجرة.
العطر يقلص المسافات، يطوي الأمتار والأمداء. العطر النفاث أسرع من كل ما يخترق جدار الصوت... والروح.
ثمة عطر يقذفك بعيداً، يرمي بك في وادي الذكريات السحيقة. ثمة سواه يحلِّق بك عالياً، وآخر يمضي بك الهوينى. أخطر العطور ذاك الذي يعصف بكيانك وجوارحك، يعيد فتق جراحك الملتئمة على زغل أو على مضض، يفتح خزائن ماضيك، مبعثراً كل ما رصفْتَه ووضَّبْتَه من أمتعة الشوق والتوق والشغف الأول، مبدداً أوهام الطمأنينة والشفاء.
لا يتغلغل العطر في ثنايا الجسد والثياب، يذهب عميقاً في تلافيف الذاكرة. يصعب على المتعقب اكتشاف أثر هذا الصنف من العطور. صنف لا يمحى بالماء ولا بالصابون، يكمن في شعاب النفْس بانتظار اللحظة الفتاكة المناسبة للانقضاض مجدداً.
العطور طبائع وأمزجة، كأنها تتماهى مع صانعيها و «مركبيها». عطر محارب، عطر مسالم، عطر مخادع، آخر مستدرِج (بكسر الراء) يناديك بخفر الغواية ومَكْرِها، محوِّلاً مسامك فوهاتِ رغبة واشتهاء، ونفْسَك أمّارة بالرحيق.
معظم العطور يرميك في الماضي، في الذكريات التي تظنها ولَّتْ الى غير دمعة، إلا عطراً ينبعث من عنق امرأة، مختلطاً برائحة جلدها وعرقها وما تفرزه مساماتها من أحصنة فتنة. هذا عطر يقذف بك نحو المستقبل، يدفعك للإقامة في الاحتمال. ماذا بعد الشميم الأول؟ بعد النظرة والابتسامة؟ ماذا بعد رجفة القلب واصطكاك الركبتين؟
ثمة نساء عطرهن منهن، لا يحتجن بخوراً ولا زينة. يلقِّحهن الحبُّ بالرحيق والرغبةُ بالتمنع. للاشتهاء عطر شبيه برائحة الأرض بعد الشتوة الأولى، كأن المطر عَرَقُ جُماع الثرى والثريا. الجسد أرض النظر، ومَن لا تحرِّك مساماته امرأةٌ فواحة فاقدٌ لحاسة الشم، بل للحواس كلها.
ليس عابراً أن الصياد الغرائزي يشتم رائحة طريدته. للموت عطره أيضاً. «عطر» الألماني باتريك زوسكيند في رائعته «العطر/ قصة قاتل» (صارت فيلماً جميلاً بتوقيع توم تايكر) اشتغالٌ عميق على هذه الفكرة بالذات: سر الحياة المستخلَص من رحيق العذراوات المقتولات، فمن لا رائحة له لا روح أيضاً، ولعل هذا هو السر الدفين في أعماق جان باتيست غرينوي (بطل الرواية) في بحثه القاتل عن رائحة تمنحه روحاً، وعن عطر يجعله «موجوداً» حقاً (في بلادنا هذه الأيام رائحة موت عميم. موت بغيض لا تفوح منه رائحة حياة ولا يُستخلَص منه إكسير خلود).
لاحتكاك جسدين عطر خاص جداً ناجم من اختلاط «عرقين». هذه تركيبة لا يقوى عليها أشد «العطارين» خبرةً ومهارة. تركيبة إلهية في ترابيْن متى تلامسا صارا ناراً متّقدة.
قلْ لي ماهية عطرك (عطرك أنت، لا العطر الذي تقتنيه مهما كانت ماركته) أقلْ لك من أنت. العطر علامتك الفارقة وأثرك حيث كنت، حيث تكون.
أَضْوَعُ العطور ذاك الذي يفوح من عنق رضيع. إنه عطر الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.