تحذيرات من تأثير الذكاء الاصطناعي على جودة أعمال الموظفين    أمير الشرقية يدشن مبادرة "شاطئ الزبنة"    البحرين تدين التصريحات الإسرائيلية وتؤكد تضامنها مع المملكة    شركات سعودية تستكشف الأسواق في كينيا وتنزانيا ورواندا    أمير الرياض يرعى استعراض مخطط البنية التحتية.. غدا    أكد هروب عناصر الدعم.. الجيش السوداني يهاجم الفاشر من كل المحاور    المملكة تواجه التصريحات الإسرائيلية بحزم وتحظى بدعم عربي واسع    تصعيد في «الضفة».. إسرائيل تعزز عسكرياً في «جنين»    مدرسة بنات في وادي الدواسر تُشرك أولياء الأمور في الاحتفال ب "يوم التأسيس"    معرض "آرت نهيل" يواصل فعالياته بحزمة من البرامج الحِرفية والفنون التشكيلية    وكيل إمارة الشرقية يفتتح المؤتمر الدولي الثامن للجمعية السعودية لطب وجراحة السمنة    أربعة ملايين متر مربع.. نادي الفروسية بالدمام يدخل حيز التنفيذ    جيسوس يعترف: نيمار غادر الهلال حزينًا.. أعلن أنني أغضبته!    مصر تستضيف قمة عربية طارئة حول تطورات القضية الفلسطينية    الأمين العام لمجلس التعاون يدين بأشد العبارات التصريحات الإسرائيلية ضد المملكة    العين على «إشبيلية».. هل يعود «برشلونة» للمنافسة على لقب «الليقا»؟    بدرجتين مئويتين تحت الصفر.. طريف تسجل أقل درجة حرارة بالمملكة    شقيقة زوجة ماهر الأسد: نظام بشار وراء تفجير «خلية الأزمة»    تعقد بالقاهرة 27 فبراير.. مصر تستضيف قمة عربية طارئة حول فلسطين    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 500 سلة غذائية في عدة مناطق بجمهورية بنغلاديش    بعد المونديال.. هل تستضيف «السعودية» دورة ألعاب أولمبية؟    من أعلام جازان.. الشيخ العلامة الدكتور محمد بن هادي المدخلي    كرستيانو.. التاريخي والأسطورة الأول    "فريق ليجون 13″ يحقق لقب الفرق.. و"ميرونك" بطلًا لفردي بطولة ليف جولف الرياض 2025    «وجهات تهجير» أهل غزة ترفض مخططات تصفية القضية    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة    سجن محتال 45 ألف سنة بسبب «المزرعة الوهمية»    ثعابين سامة تهاجم مدينة أسترالية    اختتم زيارته إلى الهند.. وزير الصناعة: الرؤية السعودية هيأت فرصاً واعدة للشراكات العالمية    4 برامج في ثلاث جامعات عالمية لتطوير كفاءات قطاع السياحة    دنيا سمير غانم "عايشة الدور" في رمضان    علي خضران.. فقيد الأدب والتربية الراحل    رسالة تهدئة من واشنطن للقاهرة.. ومراقبون: «بيان الفجر» يدفع ترمب للتراجع عن تهجير الفلسطينيين    الحجاج في القرآن    في الجولة 19 من دوري روشن.. الهلال يتعادل مع ضمك.. ويهدي الاتحاد الصدارة    «الغذاء والدواء» : لا صحة لتسبُّب الزنجبيل في الجلطات    "المرض الحلو" يتصدر أعمال مؤتمر الغدد    3 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى في العالم    آل بامخير يستقبلون المواسين في فقيدهم    يوم التأسيس.. يوم فريد وحدث تليد    التراث الثقافي والهوية    استدامة بيئية    العزلة.. تهدد أمان الأطفال النفسي والاجتماعي    وصفة إلكترونية للأدوية المخدرة والمؤثرات العقلية    الحرس الملكي يحتفل بتخريج دورات الأمن والحماية واختتام الدوري الرياضي    عربات النقل الترددي وخطورتها على المشاة    في قطار الرياض !    ماذا في جعبة وزارة التعليم ؟    موعد مباراة الهلال القادمة بعد التعادل مع ضمك    التسليم على الرغبات المتوحشة    الحكمة.. عقل يفهم العواطف    مفتي المملكة ونائبه يتسلمان تقرير نشاط العلاقات العامة والإعلام    محمية تركي بن عبدالله تعقد لقاءً تعريفيًا مع المجتمع    أمانة المدينة تدشن تقاطع الأمير عبدالمجيد مع سعد بن خيثمة    انعقاد «الملتقى القرآني» لمديري وأئمة الشؤون الدينية بمكة المكرمة    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باتريك زوسكيند وفن الاعتقال القرائي
نشر في الرياض يوم 17 - 04 - 2008

قليلة هي الاعمال الادبية والابداعية القادرة على اصطياد القارئ، واقتياده بلذاذة القراءة الى مناخاتها المضببة بالحنو ومتعة التأويل، والقادرة أيضا بمهارة مبدعها على جعل القارئ يقيم في المساحة التي يقترحها الكاتب، وفي الحدود والآماد الحبرية التي يصنعها المبدع.
وانا هنا اتحدث عن الامكانية العجيبة عند الكاتب الالماني باتريك زوسكيند في القبض على انفاس القارئ والذي سرعان يتمكن من اقتياد القارئ نحو مناخاته العجيبية والأخاذة.
ففي عمله الروائي الأول والذي حمل عنوان "العطر - قصة قاتل"، نلحظ ان باتريك زوسكيند، يجترح مضمونا روائيا يتسم بندرة التعامل معه في تاريخ الكتابة الروائية عموما، وهي فكرة الروائح عبر التاريخ الإنساني، ودور هذه الروائح في تشكيل القوى الجاذبة اليها. وتحول العطر الى سلطة جاذبة للانف الإنساني. سلطة لها مفعول السحر الحقيقي في تواصل البطل "غروناي" مع كل ما يحيط به.
ان الثقافة العطرية التي تحلى بها زوسكيند وهو يكتب روايته العطر، جعلته يذهب الى ما يشبه الدراسة التشريحية لحاسة الشم عند الإنسان، وعلاقة هذه الحاسة بالتواصل الإنساني سلبا ام ايجابا. الى الدرجة التي يتحول بها بطل الرواية الى أنف يتسيد فضاء الرواية.
واذا عدنا لفكرة ما يمكن تسميته بالاعتقال القرائي الذي يجعل من كتابات زوسكيند الانموذج الامثل لمثل هذا الاعتقال. لابد وان نلحظ ان زوسكيند يمتلك مثل هذه المكنة في الامساك بالقارئ منذ الاسطر الاولى للرواية وحتى الانتهاء منها.
واذا عاد القارئ لرواية العطر في ذاكرته القرائية لمطلع رواية العطر، سيلحظ قوة الطعم القرائي الذي يقدمه زوسكيند من خلال الروائح المكثفة والثقيلة التي يطلقها المكان الذي وضع فيه الطفل "غروناي".
من هذه اللحظة الروائحية النتنة التي استقبل فيها الطفل روائح الكون الذي وجد به، سوف يقيم بطل الرواية في نقطة مركزية هي حاسة الشم التي تبدو في البدء وكأنها حالة شم كلبية.
ان زوسكيند استطاع وبأسطر قليلة في مطلع روايته "العطر - قصة قاتل"، ان يرمي بطعمه القرائي، ويصطاد قارئه حتى آخر سطر في الرواية.
وفي روايته الثانية "الحمامة" والصادرة بطبعتها العربية عن دار ورد السورية، بترجمة عن الالمانية ل "عدنان عبدالسلام ابو الشامات"، يعود زوسكيند الى التعامل بفنية عالية، الى فكرة الطعم الذي يلقيه الى القارئ كي يصطاده منذ الاسطر الأولى للرواية.
ففي فاتحة رواية الحمامة نقرأ هذه الأسطر القليلة: "كان جونثان نويل قد تعدى الخمسين من عمره، حتى فاجأته مشكلة الحمامة التي ذهبت بين ليلة وضحاها بالأمان الذي كان يحياه. لم يكن يتخيل أن يحدث له في حياته أي شيء ذي أهمية ما عدا موته. وهذا يناسبه تماما فهو لا يحب الأحداث ويكره بشكل خاص تلك التي تهز توازنه النفسي وتتحدث فوضى في رتابة حياته اليومية".
هذا هو الطعم القرائي الطعم، الذي سيجعل القارئ يلهث خلف زوسكيند في رواية الحمامة، كي يعرف سر هذه الحمامة التي زلزلت الحياة البسيطة لحارس بنك باريسي. تلك الحياة التي كانت تبدو لبطل الرواية جونثان نويل انها صلبة ومتماسكة بحكم جحرية الغرفة التي يعيش فيها، الفضاء الضيق لحارس البنك. ذلك الفضاء، الذي لا يتعدى البوابة الخارجية للبنك والدرج المؤدي للبنك.
ويؤكد باتريك زوسكيند في روايتيه "العطر - قصة قاتل" و"الحمامة" بأن الروائي ان لم يستطع في عمله الروائي إصطياد القارئ وجلبه مخفورا الى عام الرواية من الاسطر الأولى، ومن فاتحة نطق الرواية، فإن العمل لابد وأن يقع في الترهل اللغوي، والتبذير الانشائي.
وربما تكون براعة زوسكيند في الامساك بقارئه وادخاله في هذا الاعتقال الجميل منذ السطور الأولى لروايته، هي السر في هذا المبدع الذي تألق عالميا كل هذا التألق بروايتين فقط.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.