أظهرت التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالأزمة السورية، خلال الايام الماضية، ان الوضع يتجه ليس فقط الى تصعيد عسكري مدمر وإنما الى انسداد سياسي يزيد الاقتتال شراسة. وذلك على نحو يدفع الى التساؤل ليس عن كيفية احتمال الخروج من هذا المأزق الكبير وانما بات التساؤل مشروعاً عن احتمال تحول تاريخي في وضع سورية كوطن ودولة موحدة. على الصعيد الميداني والداخلي، انتقلت العمليات النظامية من ما كان يسمى «حفظ النظام» الى تدمير ممنهج لمناطق سكنية وتهجير وقتل جماعي، عبر اعتماد الاسلحة الثقيلة البعيدة المدى وسلاح الجو. وهذا يعني ان توجه النظام هو الى إنزال أكبر قدر من الخسائر البشرية وتشريد السكان، وايضاً إلحاق اوسع قدر من التدمير بممتلكاتهم. بما يشير الى اعتراف ضمني بأن هؤلاء السكان خرجوا من دائرة اهتمام النظام كمواطنين وتحولوا أعداء. ويبدو ان كثرة الانشقاقات على مستوى القوات النظامية مؤشر الى تنامي الشعور لدى المنشقين بأنهم باتوا أداة في تحويل أهلهم الى اعداء، وبأنهم لا يرون كيفية معاودة التعايش مع الاهل في ظل مثل هذا النظام. في المقابل، تأخذ عمليات المعارضة التي «تتعسكر» اكثر فأكثر طابع الحرب الاهلية. بمعنى ان هذه العمليات لم تعد تقتصر على حماية المتظاهرين من بطش النظام، وانما باتت تسعى الى اكتساب مزيد من المناطق «المحررة»، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفات على النسيج الاهلي ومزيد من تفتيته. وما الاعمال الانتقامية الاخيرة في حلب الا نموذج لهذا التهديد. ولا يقلل من حجم القلق كون المستهدفين بالانتقام من السُنة او الادانة من المعارضة. فالاقليات، بكل طوائفها، تشعر بالقلق على المصير، ولم تتمكن المعارضة المسلحة ان تعطي، ميدانيا، ما يطمئن هذه الاقليات التي اضطر بعضها الى اللجوء خارج مناطق المعارضة خوفاً من تهديد فعلي او مفترض. وهذا يعني ان المعركة، كما تفيد اسماء «الالوية» التي تخوضها على الارض، تأخذ اكثر فأكثر طابع القتال الطائفي الذي، بطبيعته، يقضي على التعددية بكل اشكالها، سواء الطائفية او السياسية. وفي هذا الاطار لا تقدم المعارضة السياسية، عبر كل بياناتها الكثيرة والمتعارضة، أي ضمان لوحدة عمل في اتجاه اهداف الحركة الاحتجاجية، خصوصاً التعددية والديموقراطية وقبول الآخر. على الصعيد الاقليمي، وفي الوقت الذي بات جلياً انهيار خطة انان، لوحظ ان القوى المعنية بالازمة والفاعلة فيها اتجهت هي ايضا الى التصعيد الى حدود تحريك قطعات عسكرية، او التهديد بالتدخل العسكري. وهذا ما لوحظ، خصوصاً، بالنسبة الى تركيا وايران اللتين تواجهتا تاريخياً من أجل النفوذ في المنطقة، على أساس الإنشطار المذهبي. واضافة الى المناوشات على الحدود السورية مع كل من لبنان والاردن، تتحدث اسرائيل علانية عن استعدادات في الجولان وايضاً للتحرك في حال تعرض اسلحة الدمار الشامل السورية لتهديد، سواء عبر الاستخدام او الاستيلاء عليها من مجموعات معارضة. ما يدخل اسرائيل في الحلقة السورية، اضافة الى استعداداتها لعمل ما ضد ما تعتبره الخطر النووي الايراني. كل ذلك يؤشر الى ان زمن الحديث عن الحلول بات بعيداً اكثر من أي وقت مضى من عمر الازمة السورية. خصوصا ان موقف الجامعة العربية، المعبر عنه أخيراً بالقرار الأخير للجمعية العامة للامم المتحدة، يستبعد أي حل بوجود النظام الحالي. اما على المستوى الدولي، فأفضل تعبير عن عدم القدرة على الدفع بخطة قابلة للتنفيذ استقالة الموفد أنان، يأساً وإحباطاً. ولا يبدو في الافق أي مؤشر الى احتمال تفاهم ما على مستوى مجلس الامن، يفرض تراجعاً لعمليات القتل اولاً ومن ثم الدفع في حل سياسي. لا بل ما يجري هو العكس تماماً. ففي حين تزداد المساعدات الغربية والعربية للمعارضة، تنخرط روسيا اكثر فأكثر في دفاع مستميت عن النظام وتزوده، مثلما تفعل ايران، بأدوات الاستمرار في نهجه الجديد. على اعتبار ان سورية هي المختبر الراهن لحرب باردة تشعر موسكو ان عليها ان تتقدم فيها، بعدما خسرت كل مواقعها في العالم نتيجة خسارتها الحرب الباردة السابقة. والامر الخطير في هذا النهج، نهج الحرب الباردة، انه انتهى في السابق بعد كل حرب أهلية الى تقسيم للنفوذ وعلى الارض. فهو يدفع الاطراف المحليين الى التخلي عن أي رهان على الوحدة لمصلحة الرهان على اقتطاع موقع. وهذا ما يهدد سورية حالياً.