عند النقطة صِفر تراوح مكانها خطة المبعوث الدولي- العربي كوفي أنان لإخراج سورية من النفق المظلم، بالأحرى اجتراح المستحيل، كما ثبُت على مدى أشهر. ينتهي المستحيل الى الصفر، باستثناء دماء 17 ألف سوري قُتلوا في 16 شهراً، ودمار هائل ونزوح ولجوء. ورغم كل هذا الثمن، تبدو المواجهة على طريق ذروة أخرى، صراعاً بين مستحيلين، تدرّجا من وهم الحسم العسكري، إلى عبث روسي- غربي متبادل في الرهان على ليّ الذراع. فلا واشنطن وحلفاؤها قادرون على منح شرعية دولية للفصل السابع في النزاع السوري، ولا موسكو وبكين يمكنهما تمرير أي قرار جديد في مجلس الأمن يمنح شرعية للرهان على حوار سياسي مع النظام... تلك على الأقل رؤية الغرب والمعارضة السورية في الداخل والخارج. الصِفر الروسي ترجمه وفد «المجلس الوطني السوري» المعارض الذي التقى في موسكو وزير الخارجية سيرغي لافروف، ليخرج بخيبة أمل، لأن لا شيء تبدّل في نهج الكرملين منذ سنة، سقط خلالها حوالى عشرة آلاف قتيل في سورية من الجيش وقوى الأمن و «الجيش الحر» والمدنيين. والخيبة ذاتها تنقلب الى طلب المستحيل: التدخل الأجنبي عسكرياً ليس مرغوباً فيه، ولو كان «الجيش الحر» قادراً على إسقاط النظام لفعل، وأما الإصلاح فقطاره فات لدى المعارضة التي تتخيل «المبادرة» الروسية كأنها هابطة من كوكب آخر، تتشبث بحوار مستحيل. حوار كيف يمكن أن يقبل به الحكم مع مَن يريد دفنه، ولماذا يكافئه الثاني فيما يسعى الى خنقه وطي حقبته؟ أحبطت فرنسا آمال روسيا بتمرير نص لمشروع قرار دولي، يمدّد ظاهراً مهمة المراقبين الذين لم يعد لهم عمل سوى جمع أرقام الضحايا والقتلى من كل الأطراف في سورية. والحال أن توقيت طرح مسودة المشروع الذي ما زال يستثني خيار العقوبات لإلزام النظام بالمبادرة إلى تطبيق خطة «النقاط الست»، إذ يتقاطع مع مساعي أنان الجوّالة- من دمشق الى طهران فبغداد- إنما يرمي الى تمديد إمساك موسكو بورقة الحوار المستحيل، في حين يمارس المبعوث الدولي- العربي مع الغرب، لعبة «لا أسمع، لا أرى»، لكنه خائف دائماً. ترفض واشنطن منح طهران ورقة دور «سوري» لتفادي مقايضتها في البرنامج النووي الإيراني... يصمُّ أنان أذنيه ويذهب الى طهران مستدرّاً ذاك الدور. بهذا المعنى، يستنتج بعض المعارضين للنظام في دمشق، أن أنان الذي يُفترض أن يؤدي مهمته بحِرَفية المحايد، بات جزءاً من المحور السوري- الإيراني- الروسي- الصيني. الأهم، يقول هؤلاء، أن أنان الذي حمل إلى طهران وبغداد «خطة الأسد» لإنهاء العنف انطلاقاً من بؤره الكبرى، وبنهج متدرج، بدا كمن يروّج ل «قضم الثورة»، هابطاً من كوكب آخر، ما دام موقف المعارضة كما أعلنته من موسكو أن «لا حوار قبل رحيل الأسد، ورحيله قبل المرحلة الانتقالية»... فكيف تقبل بأولوية وقف النار، بالتالي تمديد عمر النظام، لتفاوضه لاحقاً على مصيره؟! ما يريده الكرملين، مِن كوكبه، يعادل القول بواقعية أن يقبل النظام- أي نظام- التفاوض على كيفية قتله، ومكان دفنه. تمارس موسكو شطارة التاجر لدى بيع الأسلحة «الدفاعية» الى دمشق، وتصرّ في آنٍ على ديبلوماسية لا تشبه سوى إخراجِ مسرحيٍ فاشل، يطرد جمهوره سريعاً، ولا يصدق حجم الفراغ من حوله. ... وكيف يصدق فيما لا يزال مقتنعاً بأن غالبية الشعب السوري تدعم النظام، بعد سقوط 17 ألف قتيل؟ بين التاجر «الشاطر» والمخرِج الفاشل، يصعُب حتى الآن التكهن بما هو ليس معلناً في شأن حجم الصفقة التي تريدها موسكو لإنهاء الحرب «الباردة» الجديدة مع الغرب، في سورية والمنطقة. ولأن الغرب لن يدفع من نفوذه ولا من دماء جنوده، يبقى الثابت الوحيد في نفق المأساة السورية، أن توقُّعَ موعدٍ لنهاية فصولها مستحيل، كما هو مصير المبادرات التي لا تشبه في شيء، ما هو على الأرض، من قتل ودمار في عاصفة انتحار جماعي.