على رغم ارتفاع نسبة البطالة لدى مختلف الفئات الاجتماعية في لبنان إلى حدود قياسية تجاوزت ال23 في المئة وفق وزارة العمل، إلا أنه لا تزال هناك وظائف يرفض معظم اللبنانيين أدائها بأنفسهم ومنها العمل في النفايات وتنظيف الطرق والعمل كبوّاب أو ما يُعرف باللغة العامية ب «الناطور». وذلك لاعتبار أنّ مثل هذه الوظائف لا مجال فيها للتقدّم وهي تدلّ على الفقر المدقع بالنسبة للشخص الذي يمتهنها. لكن لا تبدو الحال هكذا بالنسبة للوافدين إلى لبنان من النازحين السوريين أو العراقيين والمصريين، أو حتّى اللاجئين الفلسطينيين الذين يجدون في وظيفة البوّاب الطريقة الفضلى لتأمين المسكن مع راتب شهري، فيما المهمّات المطلوبة غالباً ما تكون محدودة ولا تتطلّب إلا بعض ساعات العمل. فالوافدون يستفيدون من اعتبار المجتمع اللبناني مهنة البوّاب منفّرة اجتماعياً وسيطرة ثقافة العيب في ما يخصّ مثل هذه الوظائف، مع تزايد أعداد المباني المسكونة في العاصمة بيروت وخارجها، ليضمنوا مستوى حياة مقبولاً والاستفادة من الامتيازات التي توفّرها هذه الوظيفة مثل الحصول على دخل إضافي من سكّان المبنى عبر أداء بعض الخدمات كغسيل السيارات وقضاء الحاجات الشرائية. طلب كبير ومزايا مهمّة منذ أسبوع وضع سمير حيدر، مالك مبنى في بيروت، إعلاناً في الصحف لطلب ناطور لمبناه الجديد. وخلال ثلاثة أيام فقط، وردته عشرات الاتصالات للاستفسار عن الوظيفة والراتب وما إذا كان يجب على البوّاب وعائلته دفع فواتير الكهرباء والماء. لكنّ حيدر يؤكد أنّ المتّصلين كانوا من جنسيات غير لبنانية، وهذا ما يضعه أمام الأمر الواقع لاختيار واحد منهم، على رغم أن الأفضلية كانت لعائلة لبنانية لأنّها ستصبح جزءاً من المبنى والحياة اليومية لسكّانه. ويؤكد النواطير الذين يشغلون حالياً هذا الموقع في عدد من المباني أنّ هناك مزايا كثيرة يحصلون عليها، وغير موجودة في أي وظيفة أخرى مثل حجم البقشيش الذي يُعطى لهم للقيام بخدمات، وتحوّلهم أحياناً إلى سماسرة مع محال البقالة والمتاجر الأخرى، إذ يؤمّنون حاجيات سكّان المبنى من عندهم حصرياً في مقابل نسبة من الأرباح تصل إلى 15 في المئة. ومن الأمور التي يلفت إليها أحد البوّابين، أنّ هذه الوظيفة غالباً ما يتبعها عمل زوجة الناطور في تنظيف الشقق وتنفيذ مهمّات الخياطة أو حتّى الطبخ حين لا يتسنّى لربّة المنزل تحضير الطعام لأفراد أسرتها، إما بسبب عملها أو للترفيه عن نفسها خارج المنزل. وتخبر سلمى، زوجة بوّاب، كيف أصبحت خلال أشهر قليلة جليسة الأطفال المفضّلة في المبنى الذي تسكن فيه وزوجها، وهي تحصل على مبلغ 10 دولارات عن كلّ ساعة تقضيها في مجالسة الأطفال. هكذا، يصبح البوّاب وعائلته عناصر فاعلة لا يمكن الاستغناء عنهم في المبنى، فهم يقومون بكلّ المهمّات شرط أن يكون البدل المالي يستحق ذلك. مسؤولية كبيرة في مقابل مزايا هذه الوظيفة وحسناتها بالنسبة للوافدين إلى لبنان، هناك أيضاً مسؤولية كبيرة يتحمّلها البوّابون تجاه المبنى الذي يسكنونه. فحين يوظّف البوّاب، تُعهد إليه بطريقة تلقائية مهمّة الحفاظ على أمن السيارات والمنازل ومحتوياتها من السرقة أو أي أعمال تخريبية أخرى. والمشكلة الأكبر أنّ الأنظار تتّجه إليهم مباشرة عند حدوث أي سرقة في المبنى، ويكون البوّاب أول من يُستدعى إلى التحقيق. ويبدي البوّاب علي انزعاجه الكبير من طريقة تصرّف مالكي المبنى معه عند حدوث أي طارئ، حيث يُعتبر المسؤول الأول والمشتبه به الرئيسي. ويقول: «إذا هربت خادمة من بيت مخدوميها اتهمنا بأنّنا سهّلنا لها الهرب، وإذا فقدت قطعة مجوهرات من أي منزل نجد الشرطة تفتّش منزلنا خلال دقائق. وإذا وجد أحدهم خدشاً على سيارته يتهمنا بالإهمال ولا نقوم بحراسة كافية». وهذا ما يظهر الثقة المفقودة بين سكّان المباني وهم لبنانيون بغالبيتهم والعمّال الأجانب الذين يبقون في دائرة الاتهام عند حصول أي مشكلة. ولهذا السبب بدأت تُعهد مهمّة حفظ الأمن في مبانٍ راقية إلى شركات مختصة، فيما يحافظ البوّاب على مهّماته الاعتيادية براتب يتراوح معدّله بين 300 و400 دولار ما يكفيه وعائلته إلى حين العودة إلى الوطن، وهو ما يردّده البوّابون من سائر الجنسيات سواء السورية والعراقية والمصرية.