بدأت التيارات السياسية الليبية سباقاً لاجتذاب العدد الأكبر من النواب الفائزين على مقاعد الفردي في انتخابات المؤتمر الوطني العام، بعدما أظهرت النتائج الرسمية التي أُعلنت مساء الثلثاء أن تحالف القوى الوطنية بقيادة رئيس حكومة المجلس الوطني الانتقالي سابقاً محمود جبريل هزم الأحزاب الإسلامية التي نافسته، لكنه عجز عن تأمين غالبية في البرلمان الليبي الأول بعد أربعة عقود من ديكتاتورية العقيد معمر القذافي. ورغم أن تحالف جبريل نال 48.8 في المئة من الأصوات في المنافسة على مقاعد الأحزاب (80 مقعداً)، إلا أن ذلك لم يُترجم سوى بحصوله على 39 مقعداً فقط، ما يعني أنه لم يضمن سوى قرابة 20 في المئة من مقاعد البرلمان. وحل حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في المرتبة الثانية بحصوله على 21 في المئة من الأصوات، وهو ما تُرجم نيله 17 مقعداً. وحل حزب الجبهة الوطنية (المنبثق من الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، كبرى حركات المعارضة ضد القذافي في المنفى في الثمانينات والتسعينات) ثالثاً بحصوله على ثلاثة مقاعد بعدما نال 3.8 في المئة من مجموع أصوات الناخبين. وتمكنت الجبهة بذلك من إيصال ثلاثة من أبرز قادتها إلى قبة البرلمان وهم محمد المقريف (أجدابيا) وإبراهيم صهد (بنغازي) ومحمد علي عبدالله الضراط (مصراتة). ولم تحصل بقية الكيانات السياسية التي تُقدّر بالعشرات والتي تشكّلت في الشهور الأخيرة التي تلت سقوط النظام السابق في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، على أكثر من مقعدين. وكان من أبرز الفائزين في هذا المجال حزب الاتحاد من أجل الوطن الذي نال مقعدين ذهب أحدهما إلى زعيمه عبدالرحمن السويحلي الذي نال 24 ألف صوت في مصراتة. والسويحلي من أبرز منتقدي جبريل وشارك في الحملة التي اضطرت الأخير الى الاستقالة من رئاسة حكومة المجلس الانتقالي في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي. كما أن هناك من يربط بين موقف السويحلي والعداء الناشب بين مدينته مصراتة وبين قبيلة ورفلة التي ينتمي إليها جبريل على خلفية الحرب التي أطاحت القذافي العام الماضي. وكان لافتاً أن حزب الوطن الذي أسسه «الأمير» السابق ل»الجماعة الإسلامية المقاتلة» عبدالحكيم بلحاج فشل في نيل أي مقعد سواء بطريقة مباشرة على لوائح الأحزاب أو عبر مقاعد الفردي. وكان سقوط بلحاج مدوياً في الدائرة التي ترشح فيها في طرابلس والتي اكتسحها تحالف القوى الوطنية. لكن قياديين في «المقاتلة» أسسوا حزباً سياسياً باسم «تجمع الأمة الوسط»، ونجحوا في إيصال مرشحين إلى قبة البرلمان. لكن هذا النجاح كان محصوراً في دائرة واحدة في جنوب البلاد، حيث كان عبدالوهاب قائد، أحد قادة «المقاتلة» السابقين، واحداً من الأربعة الفائزين بمقاعد عن دائرة مرزق. كما نجح «تجمع الأمة الوسط» في إيصال مرشح آخر على قوائم الأحزاب في مرزق هو محمد عبدالنبي حسين، ما يدل على تعاطف شعبي مع هؤلاء الجهاديين السابقين في الجنوب الليبي. وكان لافتاً، في إطار متصل، أن بعض نواب البرلمان الليبي الجديد جاء بحفنة قليلة من الأصوات بينما احتاج آخرون إلى عشرات آلاف الأصوات للوصول إلى قبة البرلمان. فمثلاً المرشح الفائز عن دائرة تازربو (واحة في الجنوب الليبي تتبع محافظة الكفرة) محمد عبدالكريم دومة ضمن مقعده بعد حصوله على 276 صوتاً فقط من أصوات المقترعين، في حين احتاج صالح بشير أجعودة في بنغازي إلى 40200 صوت لانتخابه نائباً. ويمكن تقديم طعون في نتائج الانتخابات خلال فترة أسبوعين، لكن السباق يبدو أنه انطلق منذ الآن على استقطاب أصوات المرشحين على قوائم الأفراد بهدف تشكيل كتلة سياسية تضمن الغالبية في المؤتمر الوطني المقبل. وفي حال عجزت الأحزاب السياسية عن تأمين هذه الغالبية، فإنها ستكون مضطرة إلى الدخول في ائتلاف يرسم سياسات ليبيا في المرحلة المقبلة.