واصلت مفوضية الانتخابات في ليبيا إعلان النتائج الجزئية لأول انتخابات وطنية في البلاد منذ قرابة نصف قرن. وأعطت هذه النتائج مزيداً من التقدم الكبير للتحالف الوطني بقيادة الدكتور محمود جبريل، في مواجهة تيارات إسلامية تقول إنها ستسيطر في نهاية المطاف على المؤتمر الوطني العام من خلال مرشحين مستقلين موالين لها. وعلى رغم سيطرة التحالف الوطني على الشريحة المخصصة لقوائم الأحزاب في المجلس وعددها 80 مقعداً من أصل 200، فإن بقية المقاعد ال 120 مخصصة للمستقلين. وكان لافتاً أن قيادياً جهادياً بارزاً في الجنوب الليبي تمكن من دخول المؤتمر الوطني العام بعدما فاز في دائرة مرزق، مكرساً بذلك انتقال تيار جهادي إلى ممارسة العمل السياسي. والقيادي الفائز هو عبدالوهاب قائد الذي كان من قيادات «الجماعة الإسلامية المقاتلة»، وهو شقيق للقيادي الراحل في تنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي. وجاء عبدالوهاب قائد في المرتبة الرابعة بين متصدري قائمة المرشحين في مرزق. وبما أن دائرة مرزق تضم أربعة مقاعد فإن قائد سيكون أحد نواب هذه المنطقة الواقعة في أقصى الجنوب الليبي. وكان لافتاً أن تحالف القوى الوطنية بقيادة جبريل حقق فوزاً كبيراً آخر في بنغازي والبيضاء في شرق البلاد، متفوقاً بعشرات المرات على حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين. ففي دائرة بنغازي (11 مقعداً) حصل تحالف جبريل على أكثر من 95 ألف صوت، في حين لم ينل حزب الإخوان سوى 16 ألف صوت. وفي دائرة البيضاء وشحات والمرج وقصر ليبيا (عدد مقاعد 5) حصل تحالف القوى الوطنية على 47 ألف صوت في مقابل 6 آلاف لحزب العدالة والبناء. وفي غرب البلاد، حصل تحالف القوى الوطنية على 34 ألف صوت في دائرة صرمان وصبراتة والعجيلات وزوارة والجميل ورقدالين وزلطن (3 مقاعد)، في مقابل ستة آلاف لحزب الإخوان. في غضون ذلك، ذكرت وكالة «رويترز» أن رئيس أكبر حزب إسلامي في ليبيا رفض الاعتراف بالهزيمة في أول انتخابات حرة في البلاد منذ نصف قرن تقريباً، واتهم منافسه الليبرالي الرئيسي محمود جبريل «بخداع» الناخبين بالتزامات خادعة بالإسلام. وفي مقابلة مع «رويترز» وصف محمد صوان زعيم حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا وقت الانتفاضة بأنه حليف سابق للعقيد الراحل معمر القذافي، وقال إن حزب جبريل قد يفقد تصدره للانتخابات بعد صدور النتائج الكاملة للانتخابات. وفي حين كانت جماعة الإخوان المسلمين تدير حملة انتخابية جيدة في الانتخابات التي أجريت السبت الماضي، إلا أنها مثل الأحزاب الليبية الأخرى حديثة عهد بالديموقراطية. وقال صوان: «جبريل لم يقدم نفسه للشعب الليبي على أنه ليبرالي. قدم نفسه على أن له مرجعية إسلامية. استفادت التيارات العلمانية من ثورات الربيع العربي ورفعت راية المرجعية الإسلامية ... صوّت الليبيون لجبريل باعتبار انه إسلامي أيضاً». وكشفت نتائج جزئية للانتخابات أن تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه جبريل واصل تصدره في انتخابات المؤتمر الوطني. وقال صوان إن حزب العدالة والبناء من المتوقع أن ينال مكانته بعد ظهور نتائج المقاعد المستقلة التي تعتمد على الاتصالات والمكانة الاجتماعية. وقال: «ربما تظهر النتيجة النهائية أن حزب العدالة والبناء هو الحزب المتصدر». لكن على رغم هذا التفاؤل إلا أن صوان بدت عليه نظرة خيبة أمل. وكان يتوقع على نطاق واسع أن حزبه سيحقق أداء قوياً في الانتخابات مدعوماً بصعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة الإسلامية في تونس في أول انتخابات بعد الثورة. وقال صوان: «سبب أن بعض الناس لم يختاروا كتلة العدالة والبناء أن هناك تشويهاً للإسلاميين فالناس لا تعرف حقيقة الإخوان المسلمين أو العدالة والبناء ولذلك هناك نوع من الفوبيا (الخوف) عند الناس. لكن الدليل على أن الإسلاميين هم الذين تفوقوا ستبينه القوائم الفردية وسيكتشف الجميع أن المئة وعشرين الذين ترشحوا على الفردي جُلّهم من الإسلاميين». وجبريل الذي أظهر نفسه كشخصية تسعى إلى توحيد الصف، دعا في وقت سابق من هذا الأسبوع الأحزاب إلى الانضمام لتحالف كبير. لكن صوان لم يظهر حماسة تُذكر لذلك. ووصف جبريل الذي شغل منصب وزير في عهد القذافي على انه اختيار الموالين للقذافي. وقال صوان إن حزبه سيختلف مع حزب جبريل على دور الدين في السياسة. وأوضح: «بالنسبة إليهم المرجعية الإسلامية تعني إقامة الشعائر الإسلامية وأن تستند بعض قوانين الأحوال الشخصية إلى الشريعة. لكن وجهة نظرنا هي أن الإسلام هو منهج حياة كاملة».