مع ظهور غالبية نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام، تتجه الأنظار إلى هوية التيارات التي ستهيمن على أول برلمان منتخب في ليبيا الجديدة بعد عقود من الحكم الديكتاتوري للعقيد معمر القذافي. وفي حين يبدو تحالف القوى الوطنية بقيادة الدكتور محمود جبريل متجهاً إلى حصد معظم المقاعد ال 80 المخصصة للأحزاب، يُصر حزب العدالة والبناء المنبثق من جماعة «الإخوان المسلمين» على أنه سيفوز في المقاعد المتبقية المخصصة للأفراد وعددها 120 مقعداً. وفي انتظار جلاء الميول السياسية للفائزين على قوائم الأفراد، توقف مراقبون عند حجم الانتصار الساحق الذي حققه تحالف جبريل في القوائم الحزبية في كل الدوائر الأساسية ال 13 التي نافس عليها، بما في ذلك طرابلس وبنغازي عاصمة شرق البلاد وسبها عاصمة الجنوب. وقد جاء الفارق في الفوز لمصلحة جبريل بعشرات آلاف الأصوات عن أقرب منافسيه، ما يعني أن تحالفه حظي بتأييد شعبي لا مجال لإنكاره. وما يزيد من أهمية هذا الفوز أنه جاء في مواجهة تيارات إسلامية مدعومة بمرجيعات دينية حذّرت الليبيين، عشية الاقتراع، من التصويت لجبريل وتحالفه «العلماني». ونفى جبريل ذلك، قائلاً إنه يمثّل الإسلام المعتدل الذي يتبعه عموم الشعب. والانتصار الأبرز الذي حققه تحالف القوى الوطنية جاء في مواجهة حزب العدالة والبناء (حزب «الإخوان») الذي رشحته توقعات للفوز، اسوة بالتيار السائد في دول «الربيع العربي» والذي حمل الإسلاميين إلى السلطة. لكن تحالف جبريل هزم مرشحي حزب «الإخوان» في غالبية الدوائر التي تنافسوا فيها، باستثناء مصراتة التي جاء فيها حزب «الإخوان» ثانياً بعد حزب الاتحاد من أجل الوطن بقيادة عبدالرحمن السويحلي. وحقق الأخير أكثر من 24 ألف صوت في مقابل 20 ألفاً لحزب «الإخوان» الذي خاص زعيمه محمد صوان الانتخابات في مصراتة نفسها. واصدر حزب العدالة والبناء بياناً أمس نفى فيه تصريحات منسوبة لصوان ورد فيها «أن كل من صوّت لتحالف القوى الوطنية هم من اتباع النظام السابق». وتكشف انتخابات مصراتة جانباً آخر مسكوتاً عنه في ليبيا الجديدة. فنتائج الانتخابات فيها أظهرت أن سكان مصراتة ربما ما زالوا لا يشعرون بالرضا عن جبريل لمجرد انتمائه إلى قبيلة الورفلة التي ساند كثيرون من أبنائها نظام القذافي حتى سقوطه. وكان جبريل من أوائل المنشقين عن القذافي وساهم في الحملة الدولية لإطاحته. وكشفت الانتخابات الليبية، في غضون ذلك، أن التيار «الجهادي» لم يحقق أي نتيجة لافتة في المنافسات التي خاضها، باستثناء الفوز الذي حققه في دائرة مرزق في الجنوب عبدالوهاب قائد، شقيق «أبو يحيى الليبي» القيادي السابق في تنظيم «القاعدة» قبل مقتله. وباستثناء قائد، فشل المرشحون الآخرون المحسوبون على «الجماعة الإسلامية المقاتلة» سابقاً في دخول المؤتمر الوطني. ففي حي الأندلس في العاصمة الليبية، لم يتمكن حزب «تجمع الأمة الوسط» بقيادة سامي الساعدي (أبو المنذر) من نيل أكثر من 990 صوتاً، في مقابل «التيار الوطني الوسطي» الذي حصد 28 ألفا. كما مني «تجمع الأمة الوسط» بهزيمة كبيرة أيضاً في دائرة «طرابلس المركز» إذ حصل على 3800 صوت في مقابل 46 ألفا لتحالف جبريل. وكان لافتاً في هذا الإطار أيضاً أن حزب «الوطن» بقيادة الأمير السابق ل «المقاتلة» عبدالحكيم بلحاج مني بدوره بهزيمة في «عقر داره» على يدي تحالف جبريل. فقد نال الأخير 78 ألف صوت في دائرة سوق الجمعة والقربولي وتاجوراء في طرابلس، في حين لم يتمكن بلحاج من نيل أكثر من 8417 صوتاً. وعلّق حزب «الوطن» على النتائج بالقول: «إننا نقر بأن الخيار الديموقراطي ينتج عنه فائز وخاسر في الانتخابات ومن أصول الديموقراطية عدم تعطيل النتائج من الخاسر وعدم الانفراد من الفائز». وستتجه الأنظار الآن بعد الانتهاء من إعلان النتائج رسمياً، والمتوقع ليل الجمعة، إلى التشكيلة الحكومية التي ستقررها الغالبية البرلمانية وهل سيتم الإبقاء على عبدالرحيم الكيب في منصبه الحالي رئيساً للحكومة. لكن السؤال الأبرز سيكون عن الدور الذي سيلعبه جبريل في المرحلة المقبلة، في ظل توقعات بأن يتم اختياره رئيساً لليبيا في حال تم النص على إنشاء هذا المنصب في الدستور الليبي الجديد.