افتتحت مؤسسة فلسطين الشباب للإنتاج الثقافي، المحطة الثالثة من معرضها الثاني «أشرعة للحرية»، في باحة قصر رام الله الثقافي الداخلية، عند بوابات الصالة التي أحيا محمود درويش فيها أمسيته الشعرية الأخيرة في فلسطين. والمعرض، الذي اكتسى بروح الشاعر، احتضن أعمالاً إبداعية ل 45 فناناً وفنانة اختصروا الخريطة الممزقة بفعل وحشية الاحتلال، ولربما أخطاء الساسة عبر العقود الماضية، كتبوا وصوّروا وصنعوا أفلام فيديو، وكأنهم يصرخون بحكاياتهم الملونة، ومن داخل حنجرة درويشية «أنا حبة القمح التي ماتت لكي تحضر ثانية. وفي موتي حياة ما». وتندرج الأعمال ضمن إطار الأدب بأشكاله المرصعة، وصور فوتوغرافية بعيدة عن الطرح الكلاسيكي للعدسة الفلسطينية، أو تلك التي تطارد ب «زومها» فلسطين، وأعمال فيديو بسيطة التنفيذ ولكنها عميقة. عدنية شبلي، احدى أبرز الروائيات والأديبات الفلسطينيات الشابات المقيمات في الخارج، وفي درسها عن طبيعة الثورة، وعلى خلفية صورة لعروس تبدو تائهة في رحلة بحث عن الحرية بعدسة عاهد ازحيمان، خلصت إلى أنه «لا يمكن لأي جبروت، أكان مبنياً من الحجارة البركانية، أو مجرد جبروت والدي، أن يكبح قدرة نبتة على النمو كما تشاء، وأينما تشاء... حتى في أقل الأماكن التي يتوقع ظهورها فيها». وفي قليل مكتوب من «الجاز» يعزف نجوان درويش بالكلمات مخاطباً «القنصل الأسود لحضارة بيضاء كالكفن، والقنصل الأبيض لحضارة سوداء كالفحم»، بأن «الوجوه التي طمستم بنزعتكم التجريبية ستطاردكم في الكوابيس لسبعة أجيال على الأقل»، بينما تكتمل معزوفة درويش بصورة «زنزانة شرم الشيخ» لمحمد العلول الذي يقول: «الصورة التي شاركت فيها عبارة عن زنزانة ويدخل الضوء من شق صغير إليها، في إيحاء بأنه مهما طال الأسر، وبعد الأسرى عن ذويهم ومحبيهم، لا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي سيخرجون فيه من السجن». ويضيف: «مشاركتي في المعرض منحتني دافعاً معنوياً كبيراً، بحيث ساهم في تطويري لصوري التي تتمحور في مجملها على قضية الأسرى، إلى أن خرجت بالصورة التي شاركت في المعرض». أما إيهاب الجريري فأكد أنه «مش بالع الحرية برة البلد»، مشيراً بأسلوبه الساخر المعهود إلى أن «الحرية بنعيشها في البلد لما بنعرف إنه لما بنطلع بمسيرة شهيد مش رح ننحسب على حد، لا على علم أصفر ولا على علم أخضر، ولا راح يلغوا العلم مشان يصير لونه أحمر، إحنا بس بدنا نشارك بتشييع شهيد هيك منشانه، احتراماً له، وتقديراً لتضحيته، ومش جزء من حسابات اللي بيتاجروا بدمه». وجاء الكولاج بين ما كتبه الجريري وبين صورة نيفين ماناريوس «إذا الشعب يوماً»، منسجماً بشكل واضح، فهي التي صوّرت جدارية عن جدار الفصل العنصري مذيلة بعبارة «الثورة بدأت من هنا». وحول مشاركته في «أشرعة للحرية»، يقول الجريري: «الفكرة الرئيسة للمعرض تعني لي أن هناك تركيزاً على مفهوم الحرية بين الشباب، والحرية هي مفهوم أوسع من مجرد التحرر من الاحتلال، مع أن هذا شيء أساسي نحن ننظر إليه كفلسطينيين». ويقول تيسير مصرية، مدير مؤسسة فلسطين الشباب للإنتاج الثقافي، إن «الهدف الأكبر للمعرض، إعطاء الفنانين والمبدعين الشباب فرصة للتعبير عن أنفسهم بحرية». وأضاف: «من هنا جاءت تسمية المعرض «أشرعة للحرية»، ما يعكس أن ثمة قدرة لدى هؤلاء الفنانين على التعبير عما يريدونه بشتى الوسائل، وباستخدام مختلف الوسائط الفنية، وبحرية كاملة، خصوصاً أن المساحات تضيق أكثر أمام الشباب، مع تحكم من هم من غير الشباب في مختلف تفاصيلها. وبالتالي يرمي المعرض إلى تحويل الشباب الفلسطيني من مجرد متلق إلى مبادر، وما يتعلق بإبداء رأيه والتعبير عنه، لاسيما بطرق فنية وثقافية مبتكرة وللشباب الفلسطيني القدرة الكاملة على تحقيق ذلك». ويهدف «أشرعة للحرية» وفق مجد العسالي، المشرفة على المعرض، إلى تعزيز قيم الحرية والتعبير عنها، وفتح آفاق واسعة للشباب للتعبير عن أفكارهم وهواجسهم بحرية. وتبرز أهمية المعرض في أنه غير تقليدي، يبحث في فكرة الحرية بمفهومها الواسع كما يراها ويعبِّر عنها الشباب الفلسطيني، مع الحرص على تحقيق امتداد جغرافي وزمني، إذ انه تجوّل ويتجول على مدى تسعة أشهر في كل من جامعة بيرزيت، ودار إسعاف النشاشيبي أو دار الطفل العربي في القدس، وفي قصر رام الله الثقافي ضمن مهرجان فلسطين الدولي، وجامعة بيت لحم، وجامعة النجاح الوطنية في نابلس، وجامعة القدس في أبو ديس، وجامعة بولتكنيك فلسطين في الخليل، والجامعة العربية الأميركية في جنين، ومركز الطفل التابع لبلدية أريحا.