ارتفعت أسعار النفط مجدداً إلى نحو 100 دولار للبرميل (بعد أن انخفضت إلى نحو 90 دولاراً)، مع بدء تنفيذ العقوبات الغربية على صادرات النفط الإيرانية في الأول من الشهر الجاري، على رغم أن البدايات الفعلية لهذه العقوبات، الأشد من نوعها ضد إيران، بدأت فعلاً منذ مطلع السنة، بعد موافقة الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على تبني «الديبلوماسية» بدلاً من المواجهة العسكرية مع إيران لردعها عن الاستمرار في برنامجها النووي. وعزز الأسعار الأسبوع الماضي، إضراب عمال النفط في النروج الذي حجب نحو 240.000 برميل يومياً من النفط الخام عن الأسواق، أو نحو 15 في المئة من الإنتاج النروجي. فرضت الدول الغربية عقوبات مختلفة على القطاع النفطي الإيراني خلال العقود الثلاثة الماضية. واستطاعت إيران خلال هذه الفترة الطويلة من العقوبات، التأقلم معها ومعرفة كيفية تفاديها. لكن، أدت العقوبات، ضمن عوامل أخرى، إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية النفطية لإيران من نحو 6 ملايين برميل يومياً إلى ما لا يزيد عن نحو 4 ملايين برميل يومياً، كما شكلت أنواع الحصار المتعددة سقفاً لصادرات النفط الإيرانية، بحيث إنها لم تتجاوز 2.5 مليون برميل يومياً، ناهيك عن إخفاق إيران في تشييد مشاريع لتصدير الغاز الطبيعي إلى الدول المجاورة تتناسب مع ضخامة احتياطاتها منه (الثانية عالمياً بعد روسيا)، وخير مثال على ذلك عدم تنفيذ خط تصدير الغاز من إيران إلى الهند عبوراً بباكستان، على رغم مضي ما لا يقل عن عقدين من المفاوضات. كما أن منع التقنية والخدمات الهندسية صعّب على طهران تشييد مصافي التكرير اللازمة، ومن ثم الاضطرار إلى استيراد المحروقات من الخارج. واضح أن العقوبات السابقة ركزت على القطاع النفطي وأبطأت نموه وزادت تكلفة تطويره. إلا أن العقوبات الحالية صعدت شدة العقوبات، إذ إنها غيرت الأهداف، فجعلتها أوسع كثيراً من فرض عقوبات على القطاع النفطي فقط، بل أضافت إليه المؤسسات المالية والتجارة الخارجية، أي أنها استهدفت هذه المرة الاقتصاد الإيراني برمته، إضافة إلى القطاع النفطي. وما منع تصدير النفط إلى أوروبا وآسيا (السوقين الأساسيتين للنفط الإيراني) إلا محاولة لتجفيف مصادر العملات الصعبة، إضافة إلى منع التعامل مع البنك المركزي الإيراني والمؤسسات المالية الإيرانية، بهدف زيادة الضغوط. طبعاً، لا يتوقع من طهران أن تقف مكتوفة اليدين أمام هذه العقوبات. فهناك أخبار صحافية تشير إلى تغيير أسماء ناقلاتها وأعلام هذه الناقلات، إضافة إلى رسوها بالقرب من الشواطئ الإندونيسية ومن ثم شحن النفط بناقلات صغيرة إلى الموانئ الصينية، ومنح حسومات عالية على صادراتها النفطية، وشراء الدولار من السوق العراقية. أوقفت كل الدول الأوروبية وارداتها النفطية من إيران، أما بالنسبة للدول الآسيوية، فالوضع يختلف. إذ تحاول هذه الدول تقليصها فقط. وأخذت الصادرات الإيرانية تتقلص لسببين رئيسين: التحذير الأميركي الذي منح الدول الآسيوية مهلة 180 يوماً لتقليص حجم الواردات (يشمل بعض الدول الكبرى المستوردة للنفط الإيراني مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين)، والامتناع الأوروبي عن تأمين الناقلات المحملة نفطاً إيرانياً. وبهذا الصدد، يحاول كل من الهند والصين، أكبر مستوردَين للنفط الإيراني، إيجاد وسائل أخرى لتأمين الناقلات، مستغنياً بذلك عن شركات التأمين الأوروبية، من خلال الاعتماد على الناقلات الإيرانية نفسها لكن تحت أسماء وأعلام دول أخرى أو من طريق تأمين السفن مع الشركات الإيرانية، أو الحصول على التأمين من خلال شركات محلية، وهي عمليات صعبة محفوفة بالأخطار. لكن كل هذه الخطوات تعتبر محدودة الحجم، فمن الصعب على إيران تفادي آثار هذا الحصار الواسع النطاق، وبالفعل فقد انخفضت قيمة الريال الإيراني منذ مطلع السنة إلى نحو النصف تقريباً، وارتفع مستوى التضخم إلى أرقام عالية جداً. تبنت الدول الغربية سياسة العقوبات في محاولة لردع إسرائيل عن المبادرة إلى ضربة استباقية. وقد أخفقت المفاوضات مع طهران خلال الأشهر الماضية في إقناعها بالسماح لوكالة الطاقة النووية بتفتيش منشأة تخصيب اليورانيوم الموجودة تحت الأرض في «فوردو» بالقرب من مدينة قم. وتحدث الإيرانيون عن إمكان وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وإخراج الكميات المخصبة خارج إيران، مع رفض التطرق إلى منشأة «فوردو»، التي ادعوا أنها ليست منشأة عسكرية ومن ثم لا يجوز التطرق إليها. بمعنى آخر، إنها خط أحمر في المفاوضات، ما كان أحد الأسباب الرئيسة في إفشال المفاوضات. واتخذت الدول الكبرى ومنها روسيا والصين، موقفاً موحداً في المفاوضات. إلى أين ستؤدي المواجهة الإيرانية – الغربية؟ من الواضح، حتى الآن، أن الغرب غير مستعد للولوج في حرب شرق - أوسطية جديدة، أو في هذه الحال إسقاط النظام الإيراني. كما أن طهران غير مستعدة للتنازل أو التخلي عن برنامجها النووي. وهناك مؤشرات عدة إلى أن إسرائيل تنتظر اللحظة المناسبة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية في حال تيقنها من أن طهران ماضية قدماً في برنامجها النووي. من ثم، يتضح أن الشرق الأوسط قد دخل في مرحلة خطرة جديدة، سياسياً وحتى عسكرياً. يشير معظم المعلومات إلى أن الإنتاج العالمي في ازدياد، حتى إن هناك فائضاً في الأسواق. فقد ارتفع إنتاج كل من السعودية والعراق والإمارات والكويت وليبيا وروسيا في المرحلة الأخيرة. ومن ثم، لا يتوقع حصول نقص في الإمدادات على رغم انقطاع الصادرات الإيرانية أو انخفاضها. إذاً، لماذا ارتفاع الأسعار؟ هو نتيجة التخوف من التطورات في الشرق الأوسط الناجمة عن هذه المواجهة، كما أنه نتيجة التهديدات التي يوجهها كل طرف للطرف الآخر. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية