كما كان الرئيس المصري محمد مرسي أول من يُقسم اليمين الدستورية لتنصيبه أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا بسبب حلّ البرلمان، بات أيضاً أول رئيس يقسم اليمين ثلاث مرات في أقل من 24 ساعة، ما عكس حجم الخلافات بين مرسي ومؤسسات في الدولة أصرَّت على تأديته اليمين أمام المحكمة وفي مقرها، وفقاً للإعلان الدستوري المكمل الذي منح المجلس العسكري صلاحيات واسعة على حساب الرئيس. وكانت مفاوضات استمرت أياماً قادها رئيس البرلمان المنحل سعد الكتاتني مع قادة في الجيش تقضي بأن يقسم مرسي اليمين أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا، وفقًا لما نص عليه الإعلان الدستوري ليتمكن من تسلم السلطة رسمياً، لكن في مقر قاعة المؤتمرات في حي مدينة نصر القاهري في حضور نواب البرلمان الذي يتمسك الرئيس بشرعيته، وشخصيات عامة وأهالي الشهداء. لكن هذه المفاوضات اصطدمت برفض الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية الانتقال خارج مقرها لأداء الرئيس القسم. وإزاء ذلك الموقف أقسم مرسي اليمين الدستورية ونصها: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه»، في ميدان التحرير مساء الجمعة في خطبة ثورية، قال فيها إن شرعية الشعب أعلى من شرعية أي جهة أو سلطة أخرى، مشيراً إلى أنه جاء إلى الميدان قبل كل الجهات لأداء القسم أمام الثوار. وبعد ساعات، أقسم مرسي اليمين الدستورية أمام قضاة المحكمة من دون حضور أي من الشخصيات العامة أو الضيوف، في مشهد أراد الرئيس ألا يبث تلفزيونياً ما اعترض عليه قضاة في الجمعية العمومية للمحكمة هددوا على اثره بالانسحاب من مراسم حلف اليمين، ما دفع مرسي إلى التراجع والقبول ببثِّ القسم. وقالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا تهاني الجبالي ل «الحياة» إن الرئيس فور أن دخل مقر المحكمة اجتمع بقضاتها «ومنذ اللحظة الأولى أزعجنا جداً أنه لا يرغب في أن يكون هناك بث مباشر للقسم الدستوري تلفزيونياً، وأبلغناه بأن هذا الأمر يحط من قيمة القسم الدستوري الذي يجب أن يتوافر فيه شرط العلانية، لكنه بدا مصراً على وجهة نظره من دون إبداء أسباب واضحة، ثم دار حوار طويل استغرق أكثر من نصف ساعة حول هذه النقطة». وأشارت إلى أنها وقاضيين آخرين هما نائبا رئيس المحكمة عادل عمر شريف وحسن بدراوي رفضوا حضور مراسم أداء القسم من دون بثه مباشرة. وبعد هذا القرار حدث شد وجذب حول هذا الأمر كاد يتحول إلى أزمة، إلى أن قبل الرئيس بث القسم تلفزيونياً، ما أخّر مراسم أداء اليمين أكثر من ساعة. وأوضحت الجبالي أن «حواراً طويلاً دار مع الرئيس حول دور المحكمة والحجية المطلقة لأحكامها وشرح جانب من الدور التاريخي لها، والرئيس عبَّر عن تقديره للمحكمة، وأكد أنه ملتزم بأحكام المحكمة». وعن تأكيده شرعية البرلمان المنحل بحكم من المحكمة، اعتبرت الجبالي أن هذا الأمر «سقطة خطيرة جداً والمسألة ستكون محل التباس خطير في الفترة المقبلة، ربما يكون الأمر محل إجراءات قضائية... المحكمة هي التي تفسر أحكامها إذا ما حدث التباس في التطبيق». وبعد أن أقسم الرئيس اليمين في المحكمة الدستورية أعاده مرة ثالثة بعد نحو ساعتين في احتفال شعبي أُقيم في جامعة القاهرة حضره قادة الجيش ورئيس الوزراء كمال الجنزوري وأعضاء حكومته ونواب البرلمان المنحل وأهالي الشهداء وشخصيات عامة وسفراء وضيوف أجانب ورجال دين. وما أن أقسم مرسي اليمين الدستورية في قاعة الاحتفالات الكبرى في المحكمة، إلا وضجت بالتصفيق من نواب البرلمان المنحل وأهالي الشهداء، حتى إن عدداً كبيراً من النواب وقفوا وظلوا يهتفون ويصفقون ابتهاجاً بهذا القسم. وبذلك كسب مرسي تأييد الثوار بأن أقسم في ميدان التحرير ونفَّذ صحيح القانون والدستور بأن أقسم في المحكمة الدستورية العليا وأرضى حلفاءه السياسيين بأن أقسم أمام نواب البرلمان المنحل الذي يراه ويرونه شرعياً.