يصر بعض العرب، لدواع يصعب وصفها بالملائكية، على عدم تعميق الحديث عن الفارق بين الأدوية المقلّدة (أو المثيلة «جنيريك» Generic) والمُزوّرة! ولهؤلاء، لمن ترفض عيناه ان ترى وأن يفكر في واقع الدواء والعلوم عربياً، ربما تفتح القراءة المتأنية لهذه المعلومة الآتية من الهند الأعين، فتفارق الأدمغة عنادها وتخشّبها وتصلّبها وانحيازاتها الى مصالح الشركات العملاقة. وقبل الدخول الى التفصيل البسيط والعميق عن جهود أدمغة الهند في تأمين أدوية علاج السرطان للمرضى جميعاً، خصوصاً الأقل دخلاً، يجدر القول إن الأدوية المُقلّدة هي أدوية تطابق في مواصفاتها العلمية الأدوية «الفاخرة» التي تبيعها الشركات العملاقة، ولا علاقة بين هذه الأدوية، التي يُنتج كثير منها تحت براءات الاختراع عينها التي تحوزها أدوية الشركات الغربية، وبين الادوية المزورة، فالأدوية المزوّرة هي زيف، وتجارة قاتلة، لأنها تبيع ما ليس دواءً ولا يتمتع بموصفات الترياق، ما يجعله أقرب الى السموم. وتحاول الشركات العملاقة ان تستفيد من حال الخدر الهائل في العالم العربي علمياً، فتعقد مؤتمرات وتطلق الحملات ارتكازاً الى مخادعة الناس، عبر الإيحاء لهم بأن الأدوية المُقلّدة أو المثيلة هي نفسها العقاقير المُزوّرة! ولا يرتفع صوت حكومي ولا علمي في العالم العربي، الذي بات مرتعاً منفلتاً للشركات العملاقة، كي يحذّر من هذا التلاعب الرخيص والخطير بالعقول. زمن ما بعد «جولة الدوحة» منذ سنوات، خصوصاً بعد انتهاء الدورة الأولى من «جولة الدوحة»، بدا واضحاً أن الشركات الصيدلانية الكبرى تواجه مشكلة في أرباحها، لأن جهوداً بذلت في الهند والبرازيل والأرجنتين والصين، أدت الى بروز ظاهرة الأدوية المُقلّدة، التي لم تستطع تلك الشركات إلا أن تقرّ بصلابتها علمياً. وانهارت المفاوضات الأولى، ثم تتابعت من دون الوصول الى نتيجة حاسمة سوى الإقرار تدريجاً بحق شعوب العالم الثالث في الحصول على أدوية رخيصة ومحكمة علمياً، خصوصاً في مجال الأورام الخبيثة. وفيما لم تستفد الدول العربية سوى بهامش ضيّق من هذا التحوّل، المترافق مع صعود تدريجي لكتلة الدول النامية وتجمعات مثل «بريكس» وغيرها، سارت دول اخرى في مسارات أكثر جدّية، ولعل اسم شركة «سيبلا» الهندية بات معروفاً على نطاق عالمي بما لا يقل عن شهرة شركات الأدوية الغربية العملاقة. وبذا، يصل الحديث الى خبر تداولته وسائل الإعلام أخيراً عن هذه الشركة، إذ أعلنت «سيبلا» أنها خفضت بنسبة 76% أسعار العقاقير «الجنيريك» التي تستخدم لعلاج سرطانات الدماغ والرئة والكلى، ووصفت إنجازها بأنه «خطوة إنسانية كبرى»، تمثّلاً بالعبارة الشهيرة التي أطلقها رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ لحظة لمست قدماه أرض القمر «إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها خطوة كبرى للإنسانية». وأتى ذلك بعد شهرين على منح مكتب براءات الاختراع في الهند مصنعاً صيدلانياً آخر الإذن لتصنيع نسخة أقل ثمناً من عقار مضاد للسرطان تنتجه المختبرات الصيدلانية السويسرية العملاقة «باير». وقد اعتبر ذلك سابقة في صناعة الأدوية. وفي بيان صدر عن «سيبلا»، أوضح رئيس الشركة الهندية واي كيي حميد، أن هذه المبادرة القاضية بخفض السعر تأتي كخطوة إنسانية للشركة بهدف دعم مرضى السرطان، لافتاً إلى أن الأسعار المخفضة تطبق حصراً في الهند ( كيف يكون شعور اختصاصيي الأدوية وأصحاب شركات العقاقير ووزراء الصحة العرب عند قراءة هذا التصريح؟). وتشخص في الهند 2.5 مليون حالة سرطان سنوياً، بحسب ما تفيد «منظمة الصحة العالمية». في المقابل، لا يحصل معظم المرضى علاجاً كافياً نظراً الى ارتفاع كلفة أدوية علاج السرطان. وكانت «سيبلا» تصدرت عناوين الصحف عام 2001، عندما عرضت تأمين العلاج الثلاثي الخاص بفيروس نقص المناعة المكتسب (إيدز) بأسعار أقل بكثير من تلك التي تعتمدها الشركات الصيدلانية الغربية. وحينها، أشار حميد إلى أن هذا العرض يتضمّن أبعاداً اجتماعية متنوّعة. وتعرف الهند بأنها «صيدلية العالم النامي»، ولطالما وفّرت أدوية مثيلة «جنيريك» بأسعار متهاودة تماماً.