«أزرق، أصفر، برتقالي. ليست هذه ألوان لفرق في كرة القدم، بل ألوان حبوب «فياغرا» Viagra و «سياليس» Cialis و «ليفيترا» Levitra التي توصف لتقوية النشاط الجنسي لدى الذكور. وتتسابق شركات الأدوية العالمية وتتنافس لتسويق أدوية أكثر فاعلية لعلاج العجز الجنسي (العنة) لدى الرجال، تزامناً مع ارتفاع معدلات الطلاق والفتور في العلاقات الزوجية إلى نسبٍ مرعبة، وصلت إلى 46 في المئة في بعض الدول العربية، ما يهدّد الصحة النفسية للأفراد والأسر والمجتمعات، ويخلف أجيالاً تعاني مشاحنات في عائلة تفكك يومياً. وبحسب آراء متطابقة لخبراء وأطباء شاركوا في «المؤتمر العالمي عن صحة الرجل» Men's Health World Congress الذي استضافته مدينة نيس الفرنسية أخيراً، يعاني ما يزيد على 352 مليون رجل من العنة. وللمزيد من المعلومات عن هذا المؤتمر، من المستطاع الرجوع الى موقع المؤتمر على الإنترنت «أي أس أم أتش. أورغ» ismh.org. حضر المؤتمر جمع كبير من الاختصاصيين وممثلي الشركات الكبرى في صناعة الأدوية. وقدّرت دراسة من شركة «باير» Bayer الألمانية أن أكثر من نصف الرجال العرب فوق سن الخمسين مصابون بالضعف جنسياً. وترتفع النسبة في دول الخليج إلى ما يزيد على 60 في المئة، بأثر من انتشار أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وتصلّب الشرايين، التي تترافق مع السمنة وعدم ممارسة الرياضة والتدخين. وأشارت هذه الدراسة أيضاً إلى ان 62 في المئة من الرجال السعوديين تعرضوا لمشاكل جنسية، مع وضع مماثل في الإمارات، فيما تصل النسبة إلى 50 في المئة في مصر ولبنان. وتوقّع أستاذ الجراحة البولية في جامعة كولومبيا الأميركية رضوان شابسينغ، ان يتجاوز عدد الرجال الذين يعانون العنة 325 مليوناً بحلول العام 2025. سوق ببلايين الدولارات وأعلنت في المؤتمر إحصاءات تشير إلى إنفاق العرب أكثر من 10 بلايين دولار سنوياً على أدوية الضعف الجنسي، ما دفع شركات الأدوية العالمية إلى التركيز على المنطقة، والتنافس لزيادة حصتها في الأسواق العربية. وتدلّ الأرقام الى أن 80 في المئة من حالات الطلاق في مصر، تحدث بأثر من المشاكل الجنسية، التي ينفق عليها المصريون 12.5 بليون جنيه سنوياً. وتعتبر السوق المصرية الأضخم عربياً، مع ملاحظة أن 98 في المئة من متناولي الأدوية يشعرون بالسعادة. وعلى رغم إنتاج الفياغرا في مصر، فإن مسلسل تهريبها ما زال مستمراً، فتأتي من سورية وفرنسا والهند. وتحتل مصر المرتبة ال 119 عالمياً في استهلاك الفياغرا. ورصدت الإحصاءات أن مستخدمها هناك يتناول 4 أقراص شهرياً. والمعلوم أن ثمن «الحبة الزرقاء» من شركة «فايزر» Pfizer يصل إلى 27 جنيهاً، مقابل 7 جنيهات للمُهرّبة. ومثلاً، ضبطت سلطات الموانئ 3 ملايين قرص فياغرا في ميناء العين السخنة بالسويس، كانت مُهرّبة في حاويات أدخلها أحد رجال الأعمال باعتبارها محمّلة بالملابس الجاهزة! ولا يزال المصريون يذكرون «حوت الفياغرا»، وهو رجل أعمال حاول تهريب 283 ألف قرص فياغرا في حقائب شخصية. وأوضح الدكتور عادل صادق أستاذ الأمراض النفسية والعصبية في جامعة عين شمس، في مداخلته، أن قرابة 9 ملايين مصري يعانون ضعفاً جنسياً. وقال: «نصف الحالات تأتي بأثر من عوامل نفسية مثل الاكتئاب، التي تفاقمها أحوال اجتماعية مثل البطالة وصعوبة المعيشة... الانكسار في ساعات النهار يولّد انكساراً مماثلاً في الليل». ولو سُئل رجل الشارع عن أشهر دواء عرفة الإنسان خلال العقد الماضي، فالأرجح ان تأتي الإجابة «أسبرين» أو «بنادول» أو «فاليوم». وبعد العام 1998، ربما صارت الإجابة «فياغرا». والأرجح أن أدوية علاج الضعف الجنسي خاطبت مشكلة صحية شائعة، وعلى درجة عالية من الخصوصية. وأكّد أطباء عرب شاركوا في المؤتمر أن الإقبال على المقويات الجنسية في المنطقة العربية تجاوز التوقّعات. وقدّروا ان الرجال في المنطقة ينفقون أكثر من خمسة بلايين دولار سنوياً على هذا النوع من الأدوية التي تحمل اسم الماركات العالمية، إضافة الى مبلغ مماثل تتقاسمة الأدوية المقلّدة علمياً (تسمى «صنفية» أو «جنريك» Generic Drugs)، والأدوية المغشوشة أيضاً. والمعلوم أن هناك فارقاً بين الدواء الصنفي المُقلّد، والعقاقير المغشوشة. إذ أن النوع الأول هو أدوية فعّالة تنتجها شركات معروفة عالمياً ومجازة قانونياً وعلمياً، مثل «سيبلا» الهندية، وتحتوي هذه الأدوية المواد الفعالة عينها التي توجد في الأدوية ذات الماركات العالمية. وتتميّز الأدوية الصنفية بأنها رخيصة الثمن، لأن كلفتها لا تتضمن ثمن براءة الاختراع عن المادة الفعالة الموجودة فيها. وقد أقرّت محادثات «جولة الدوحة»، التي استضافتها الدوحة في 2002، لائحة بالأدوية الصنفية المُقلّدة بصورة رسمية، نظراً لنجاعتها وفعاليتها علمياً ورخص ثمنها. وذُكِر في المؤتمر أن السعوديين ينفقون قرابة 1.5 بليون دولار سنوياً على أدوية علاج الضعف الجنسي من نوع «جنريك»، يليهم المصريون (بليون دولار)، ومثلهم اليمنيون، ثم الإماراتيون (500 مليون دولار). وتداول المؤتمرون أرقاماً تشير إلى أن «فياغرا» و «سياليس» و «لفيترا» تسيطر على الحصة الأكبر من سوق المنطقة العربية، يليها «اينيغرا» و «تاليس» و «تاغرا» و «بريلوكس» وغيرها. واغتنمت شركة «باير»، التي تصنّع أقراص «ليفيترا» الفرصة لتطلق دواءً متطوّراً في علاج الضعف الجنسي، هو «ليفيترا أو دي تي»، يعمل أكثر من 24 ساعة، ويتيح التحكّم بتوقيت بدء المعاشرة. وعلى رغم نجاح الأدوية الشائعة لعلاج العجز في حل هذه المشكلة، فإنها تسبّب أعراضاً جانبية مثل الدوخة، الانتفاخ في الوجه، الحساسية للضوء، ضيق التنفّس، السقوط المفاجئ، آلام الصدر، التهابات اللثة والجهاز الهضمي، آلام العظام وغيرها. كما الإنترنت كذلك العطارة وتبيّن من مداخلات في المؤتمر أن الإنترنت باتت سوقاً مريبة لتجارة المنشطات الجنسية، إذ غالباً ما تباع من قبل جهات تحرص على إخفاء هويتها، وتغري المستهلك بأسعار تصل إلى ربع قيمة الدواء في الصيدليات. وأكّد خبراء في المؤتمر أن كثيراً من هذه الأدوية مزيّف ومغشوش، وبعضها يباع بعد انتهاء صلاحيته للاستخدام. والمعلوم أن بعض الدول العربية صادرت أطناناً من الأدوية الجنسية المغشوشة خلال العام الجاري، بينها 7 ملايين قرص (قيمتها 19 مليون دولار) ضبطتها جمارك دبي. وتصنع بعض الأدوية المغشوشة محلياً في كثير من الدول العربية. ويشكّل ذلك قرابة 7 في المئة من الإنتاج عالمياً. وتأتي الصين في صدارة الدول المنتجة للأدوية الجنسية المغشوشة. وإلى جانب الأدوية المغشوشة، هناك مسألة اخرى تتمثّل في العلاجات غير المضبوطة علمياً لهذه المشكلة الحسّاسة. ففي مصر مثلاً، هناك سوق عطارة تُتداول فيه أسماء مركّبات توصف بأنها شعبية في علاج العنة. ويبيعها محترفون لا يتورعون عن تقليد اسلوب الأطباء في الحديث، إذ يقسمّون الضعف الجنسي أصنافاً، ويعطون المرضى أنواعاً من التراكيب الغرائبية. وتستعمل في بعض هذه الوصفات الكرافس وورق الجوز. وثمة حالات أخرى لا يصلح معها إلا القرع العسلي واليقطين وعنب الدب، وثالثة لا حلّ لها إلا مع بذور الكتان وحب الرشاد! وبحسب رأي هؤلاء المدّعين، إذا كان الضعف ناتجاً من الإجهاد النفسي والذهني، فالحل يكمن في المنشطات والمقويات التي تمنح الجسم الحيوية مثل عقر القرع ونبات الدميانة وعروق الجناح. ولكن: «هل يصلح العطار ما أفسده الدهر»؟