أنكر مواطن احتجاز راعي أغنام في حظيرة وسط صحراء منطقة حائل 18 عاماً، مشدداً على أن المقيم لم يطلب منه طوال تلك الفترة هاتفاً ليتحدث مع أهله أو إجازة ليزور عائلته، فيما أكد الراعي أن كفيله كان يعامله بقسوة، وحرمه من كل حقوقه. وفي هذه الأثناء أوضح مصدر أمني ل«الحياة»، أن مركز شرطة عمائر بن صنعاء (160 كيلو متراً غرب مدينة حائل) سيحيل قضية المواطن المتهم بمنع راعي مواشٍ من السفر وعدم صرف مرتباته المتأخرة إلى محكمة الشملي للنظر فيها، مشيراً إلى أن العامل ادعى على كفيله بإساءة معاملته ومنعه من السفر. وقال المقيم بييريه سامي ل«الحياة» أمس: «كل ما أريده الآن السفر بأسرع وقت ممكن إلى بلدي (الهند) بعد منحي مستحقاتي المالية المتأخرة والتي تقدر ب85200 ريال»، مشيراً إلى أنه لم يتقاضَ طوال 18 عاماً الماضية سوى 1200 ريال فقط، هي قيمة 3 مرتبات، إذ إن مرتبه الشهري 400 ريال فقط. وأضاف أنه كان يسكن في بيت شَعر في وسط النفود قرب قرية قعر الذيب التي تبعد230 كيلو متراً غرب مدينة حائل، لافتاً إلى أنه طلب من كفيله بعد عامين من قدومه أن يسمح له بزيارة أسرته، لكنه رفض بشدة. وتطرق إلى أنه حاول الهرب من الحظيرة مرات عدة خلال الأعوام ال18 الماضية، إلا أنه كان يتراجع في اللحظات الأخيرة خوفاً من الموت عطشاً في صحراء النفود المترامية، مشيراً إلى أن حظيرة المواشي التي كان يعمل بها تبعد أكثر من 50 كيلومتراً عن أقرب منطقة سكنية. وتابع: «لم أفكر في مغافلة كفيلي أو مقاومته أو حتى الاعتداء عليه، لكني فكّرت كثيراً بالإقدام على الانتحار، وحاولت قبل 7 أعوام تنفيذ ذلك بشرب مبيد حشري، لكن محاولتي باءت بالفشل، وتعرضت لضرب مبرح من كفيلي الذي قام على إثرها بنقلي إلى مركز الشرطة لتهديدي وتخويفي بعدم تكرار ما قمت به». لكن كفيل المقيم الآسيوي (تحتفظ «الحياة» باسمه) الموقوف رهن التحقيق في مركز شرطة عمائر بن صنعاء (185 كيلومتراً غرب مدينة حائل)، تعلل بأن ظروفه المادية القاسية حالت من دون انتظامه في سداد مستحقات المقيم المتأخرة، مشيراً إلى أنه يعُول 17 ابناً، إضافة إلى زوجته المريضة، وليس لديه دخل مادي سوى مبلغ الضمان الاجتماعي البالغ 3 آلاف ريال، والذي لم يصرف له إلا قبل عامين. وتابع: «لو كنت منتظماً في صرف رواتب راعي الأغنام، فكيف سأعول أبنائي الذين سيقضون جوعاً لو انتظمت في سداد رواتبه». وأضاف المقيم الذي تخطى عمره 72 عاماً أنه كان يعامل المقيم كابن من أبنائه، فيطعمه مما يطعمهم، ولم يمنعه من السفر أو الاتصال بأسرته، مشيراً إلى أن المقيم لم يطلب منه ذلك أبداً، وأكد أنه أنقذ المقيم عندما حاول الانتحار قبل 7 أعوام بشرب مبيد حشري. وذكر المواطن أنه طلب من رجال الأمن في المركز الإفراج عنه ومنحه مهلة أيام كي يتمكن من جمع المبلغ الذي يطلبه العامل، لافتاً إلى أن كل ما يملكه هو 55 رأساً من الأغنام، بعضها شرد بعد إحضار الراعي إلى مركز الشرطة، كما أن قيمة تلك الأغنام لا تتجاوز 50 ألف ريال. واعتذر المتحدث الإعلامي باسم شرطة منطقة حائل العقيد عبدالعزيز الزنيدي عن الإدلاء بأي تصريح حول القضية، لعدم وجود أي جديد بخصوصها على حد قوله. إلى ذلك، أوضح مصدر مُطلع في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن الجمعية بدأت التقصي عن واقعة راعي المواشي المحتجز، محذراً من استغلال العمالة ومنعها من السفر وإجبارها على العمل في ظروف قاسية، ومشيراً إلى أن من أبرز حقوق العمالة الأجنبية في السعودية معاملتهم ب«الحسنى»، إضافة إلى منحهم أوقات الراحة اليومية والأسبوعية والسنوية مدفوعة الأجر، ودفع مرتباتهم الشهرية في وقتها، مع أهمية توفير المأكل والمشرب والسكن اللائق والمعاملة الحسنة لهم، ومنحهم حق التقدم بالشكوى ضد أية معاملة غير لائقة قد يتعرضون لها. ودعا الباحث في شؤون حقوق الإنسان عبدالكريم الشمري الجهات المعنية إلى إلغاء نظام الكفيل، والاستعاضة عنه بنظام آخر يراعي الجوانب الإنسانية للعمالة بكل مسمياتها، مشدداً على أهمية التوسع في إجراء دراسات ميدانية تشمل شريحة واسعة من العمالة، للوصول إلى نظام محدد يلغي نظام الكفيل ويراعى حقوق وواجبات أرباب العمل والعمالة على حد سواء، وطالب بإخضاع العمالة للكشف الدوري على أيدي متخصصين نفسيين لإثبات ما إذا تعرضوا لأي إيذاء جسدي أو معنوي من مكفوليهم لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين للأنظمة، وحفظ حقوق العمالة، لافتاً إلى أن دراسات عدة أثبتت أن مئات العمالة لا تزال تعاني تأخر دفع أجورها، إضافة إلى معاناة بعض العمالة من سوء المعاملة من مكفوليهم. وكانت قضية راعي الأغنام اكتشفت أخيراً عندما تاه رجل في الصحراء، وتصادف مروره بحظيرة قرب قرية قعر الذيب (230 كيلومتراً شمال مدينة حائل)، فرأى المقيم على هذا النحو، وسارع إلى إبلاغ الجهات الأمنية التي نجحت في الوصول إليه ونقله إلى مركز الشرطة واستدعت كفيله للتحقيق معه في هذه القضية.