لم يعد تبادل الدعوات للاجتماع على الإفطار بين الجيران وحتى بين الأهل والأقارب في الأعوام الأخيرة كما كان في السابق، حتى وإن كان الهدف منه التواصل وصلة الأرحام والفوز بأجر تفطير الصائمين، وإن كان لا يزال مستمراً لدى كثير من الأسر في الوقت الحالي، وذلك لما تتطلبه هذه الدعوات من استعداد وتحضير باكر لها. ولم يعد ما يسمى ب«دوريات الإفطار» كما كانت سابقاً، تسودها التلقائية والبساطة، والتطبيق الفعلي لجملة «الجود من الموجود»، وإنما أصبح على المبادر بالدعوة التفنن في ما يقدمه لضيوفه ابتداءً من تنويع أصناف الطعام ما بين مالح وحلو إلى طرق التقديم من خلال أثمن وأجمل ما يستطيع توفيره من الأواني والأطباق ذات الطراز المختلف والجديد المساير للموضة. ثم بعد ذلك، على من حضر الدعوة من المدعوين ردها، إذ يحاول كل واحد منهم أن يكون مختلفاً عن الآخر، في مشهد تذوب فيه البساطة تحت وطأة المنافسة في الكماليات، ليدور الجميع في دائرة «التكلّف» المصطنع، الذي يفقد اللقاءات حميميتها وصدقها. وهذا التنافس، كما أشارت المختصة في علم النفس والمستشارة الأسرية ندى محمد يجعل العديد من محدودي الدخل يحرصون على عدم الاجتماع كثيراً مع جيرانهم وذويهم، وفي أحيان يحضر الواحد منهم الدعوة الأولى ثم يبدأ في الاعتذار عن تلبية بقية الدعوات. وأضافت خلال حديثها إلى «الحياة» أن تبادل الدوريات بين الأهل والأقارب أو الأصدقاء أمر حثنا عليه الدين أولاً عندما حث على صلة الرحم وعلى الترابط والتواصل بين أفراد المجتمع المسلم، ثم بعد ذلك أهمية العلاقات الاجتماعية ذات الأثر النفسي والإيجابي على الفرد، إذ إن الفرد بحاجة إلى التفاعل والاحتكاك مع الآخرين، إلا أن الوضع الملاحظ لهذه الظاهرة التنافس عند دعوة الآخرين في تقديم أفخر الأنواع من الطعام والآنية التي يوضع فيها، والاستعداد بإعداد وشراء أنواع خاصة من الحلويات وغيرها. وتضيف: «وهذا يجعل أصحاب الدخل المحدود يشعرون بالحرج عند قيامهم برد الدعوة للإفطار لمن يفوقه في مستوى الدخل، أو يعتذر عن الحضور رغم العلاقة الأسرية أو الحميمة التي تربطه به»، كما ترى أن هذا التنافس غير المحمود ربما يتسبب في مشكلات أسرية عندما تصر زوجة صاحب الدخل المحدود على الظهور بمستوى مرتفع، رغم محدودية راتب واستطاعة الزوج، ومن هنا يجب الالتزام بما حث عليه ديننا القويم من أهمية الاقتصاد حتى من ذوي الدخل المرتفع، حفاظاً على مثل هذه العلاقات مع أسرهم وأصدقائهم.