كانت الطائفة المغربية أقل الطوائف حظاً من الدراسات التاريخية، على رغم ثقل تواجدها في مصر والذي امتد إلى أغلب مُدنها، لذا فقد جاءت هذه الدراسة (العائلة والثروة: البيوت التجارية المغربية في مصر العثمانية – د. حسام محمد عبد المعطي – الهيئة المصرية العامة للكتاب) لتقدم ترجمة لعائلات النُخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد إبان تلك الفترة التاريخية، والمدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم التجارية بمختلف أنواعها والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به وأسبابه، في الوقت الذي غلب الظن فيه أن الاقتصاد المصري قد أصابه الكساد. وترجع أهمية الدراسة إلى أنها تكشف عن التطور الاقتصادي والاجتماعي من داخل بناء النظام الحياتي للناس وللمجتمع. ويلفت المؤلف إلى أن المصادر لا تُحدد أعداد المغاربة (المورسكيين) المهاجرين إلى مصر، حيث يوضح المقري، وهو نفسه موريسكي هاجر إلى مصر، أن عدداً منهم هاجر إلى مصر فيقول: «ووصلت جماعة إلى القسطنطينية العظمى وإلى مصر والشام وغيرها من بلاد الإسلام». وتشير الوثائق إلى أن مصر كانت واحدة من أهم الأقاليم التي استقبلت الهجرة المورسكية، وكيف أنهما عُرفا بلقبين هما: الأندلسي والقطوري، وكلمة القطوري من المصدر يقطر أي يتتبع ويلحق، وتوجد أدلة عدة من خلال الوثائق على ارتباط هذا اللقب بالعائلات المورسكية، مثال ذلك مؤلف «نفح الطيب» لأحمد بن محمد المقري، وتلقب الوثائق عائلته بالقطوري حيث أقامت عائلة المقري فترة طويلة بالإسكندرية إلى أن انتقل عدد من أفرادها إلى القاهرة. وفي طولون أيضاً أنشأ المورسكيون درباً عرف بدرب القطري، وفي بولاق حوش القطورية. كما إن المنطقة الشمالية من الدلتا الواقعة في شمال إقليمالغربية (محافظة كفر الشيخ الحالية) كانت أكثر المناطق التي تركز فيها المورسكيون، حيث كانت منخفضة الكثافة السكانية أو معدومة، حيث أنشأوا عدداً كبيراً من القرى في هذه المنطقة، وبالتالي أطلقوا عليها أسماء أقرب إلى أسماء مدنهم في الأندلس، ومن أسماء بعض القرى التي على الأرجح أن مؤسسيها هم المورسكيون: الحمراء، الحمراوي، إسحاقة، أريمون، محلة موسى، سيدي غازي، كفر الشيخ، وكلها تتبع مركز كفر الشيخ، سد خميس، أبو غنيمة، الحدادي بمركز سيدي سالم، الناصرية بمركز بيلا، قطور بالغربية، المنيل، محلة دياي وكفر مجر بمركز دسوق. وفي الإسكندرية استقر المورسكيون شمال المدينة القديمة وعمروا جزءاً رئيسياً من المنطقة التي تطلق عليها الوثائق (الجزيرة الخضراء) ويطلق عليها المؤرخون (المدينة التركية) وكان الوجود القطوري مهماً جداً في رشيد أيضاً، كما شهدت مدينة طنطا هجرة واسعة من جانب المورسكيين بوصفها معقلاً لأحد أهم المشايخ المغاربة ألا وهو السيد البدوي. كما يشير المؤلف إلى أن قيام التجار المغاربة بإنشاء الوكالات تجارية غير من سمات المناطق التي أقيمت فيها ومنها: حي الفحامين والذي كان حياً حرفياً بالدرجة الأولى وتحول إلى حي تجاري عندما توسع التجار المغاربة من الغورية باتجاه الفحامين وشيدوا العديد من الوكالات مثل: العجيل, الفحامين، العشوبي، المغاربة... أيضاً ساهموا في إعمار الأسواق في منطقة طولون، فكل الوكالات الكبيرة التي نشأت فيها كان منشؤها من المغاربة، فالخواجا محمد بن جلمام الجزار قام بإنشاء وكالتين في طولون هذا إضافة إلى سبيل ماء كبير ومجموعة كبيرة من المنشآت العقارية، كما أنشأ الخواجا يحيى بن عمر ماليو المغربي الجربي وكالة كبيرة في سوق الأحرمة في طولون وينطبق المثال على منطقة الجمالية أيضاً نتيجة لتوسع التجار الشوام فيها خلال القرن الثامن عشر. ولعبت العائلات المغربية دوراً مهماً في عملية العمران الحضري في المدن المصرية بصفة عامة حيث قام عدد كبير منهم نتيجة لامتلاكهم ثروات ضخمة بإنشاء مبان ومنشآت جديدة أسهمت في تغيير معالم المدن الحضارية، حيث أقدم عدد من كبار التجار المغاربة أمثال الخواجا أحمد الرويعي والخواجا قاسم الشرايبي والخواجا محمد بن أبي بكر بن جلمام الجزار في القاهرة، والخواجا إبراهيم بن عبيد تربانة وابنه محمد والخواجا عثمان القسنطيني وابنه محمد والخواجا عبد اللطيف بن محمد الوراسني والخواجا يونس بن سعيد عبد الجليل الوراسني في الإسكندرية، والخواجا محمد بن عبد رب النبي بن عبد الواحد الشهير بفحيمة والخواجا علي دويب وغيرهم في رشيد، على بناء منشآت ذات طبيعة تجارية وخدمية وحتى صناعية ساعدت على إعمار مناطق جديدة في هذه المدن. وفي القاهرة قامت العائلات المغربية بحركة إعمار واسعة للمنطقة الجنوبية الممتدة بين جامع ابن طولون والقلعة حيث أقاموا عدداً من المنشآت الخدمية لدعم البنية الأساسية للحياة وأنشأوا عدداً من الأسبلة وصهاريج المياه، وطواحين وأفران لعمل الخبز وكذلك المساجد والكتاتيب والزوايا والمدارس لتعليم أبناء هذا الحي. ومثال ذلك: أوقاف الخواجا عبد العزيز أبو سعيدة المسراتي الذي شغل منصب شيخ طولون عند دخول العثمانيين مصر 923ه/1517م، حيث أنشأ مجموعة كبيرة من المنشآت العقارية بالقرب من مدرسة وجامع أزبك اليوسفي تجاه مقام الربعين، فأنشأ سبيل ماء وكتاب لتعليم الأطفال، وكان من ضمن منشآته طاحون وفرن حيث لعبت هذه المنشآت دوراً مهماً في تنمية المنطقة عمرانياً. في مدينة الإسكندرية أحدثت الهجرة المغربية أكبر تغيير سكاني وعمراني حيث أسهمت الهجرة المغربية واسعة النطاق في النصف الأول من القرن السابع عشر مع تغيير موقع ديوان جمرك الثغر من منطقة باب البحر إلى الجزيرة، في حركة إعمار واسعة في الجزيرة الخضراء حيث تم إنشاء مدينة جديدة عرفها المؤرخون بالمدينة التركية، كانت تمتد من الشاطبي إلى جزيرة فاروس وتطل على الميناءين الشرقي والغربي، فقد كان جسر الهيتاستاديوم عندما تحطم في العصر الإسلامي قد تراكمت عليه الرواسب شيئاً فشيئاً إلى أن اتسعت رقعته فأقيمت عليه المباني، وقد أطلق المغاربة على هذه المنطقة الجزيرة الخضراء نسبة إلى الجزيرة الخضراء في الأندلس، وأصبحت معظم أحياء المدينةالجديدة تعرف بأسماء مغربية مثل الشاطبي، والمنشية، وكرموز والبيطاش, ومن بين تسع حارات رئيسية كانت تنقسم إليها الإسكندرية في بداية القرن التاسع عشر كان ضمنها أربع حارات رئيسية أنشأها المغاربة هي: حارة المغاربة، وحارة السيالة، وحارة البلقطرية وحارة الشمرلي. وفي مدينة الإسكندرية كان للمغاربة الدور الأول في إنشاء الوكالات خلال الفترة (1050 – 1211ه/1640 – 1796م) ويكفي الإشارة إلى: وكالات الفهمي ومنديل المراكشي والقسنطيني وتريانه ودويب والبرجي وجميعي والناضوري ...الخ، أيضاً كان المغاربة من أكثر الطوائف الإسلامية التي أسهمت في إنشاء المساجد والزوايا في مصر خلال العصر العثماني، فعدد كبير من المساجد الأثرية التي لا تزال باقية في القاهرةوالإسكندرية تحمل أسماء تجار من المغاربة مثل مسجد الخواجا أحمد الرويعي ومسجد الشرايبي البكري، ومسجد العربي بالقاهرة ومسجد الحريشي وغيرها، وفي الإسكندرية مسجد الخواجا عبد اللطيف بن محمد الوراسني، ومسجد الخواجا إبراهيم بن عبيد تربانه، ومسجد بدر، ومسجد القسنطيني، وزاوية المحرص وزاوية جميع وغيرها الكثير من الزوايا والمساجد والسبلة. وتشير الدراسة إلى أن هناك عوامل عدة ساعدت على بروز دور التجار المغاربة في الحركة العمرانية في مصر في العصر العثماني ونذكر منها: تراجع دور الفئات الحاكمة التي كانت تقوم بإنشاء المشروعات العمرانية والمنشآت العامة، بعد انتقال عاصمة الدولة إلى إسطنبول، تكوين عدد كبير من التجار المغاربة ثروات كبيرة وتراكم مالي نتيجة لانتعاش حركة التجارة الخارجية المصرية، شهدت المدن المصرية وبخاصة القاهرةوالإسكندرية ورشيد هجرة مغربية واسعة بعد سقوط غرناطة والاضطهاد الذي تعرض له المسلمون في أسبانيا، وكان امتلاك وكالة أو رُبع أو غير ذلك يدر على أي تاجر دخلاً منتظماً، بصفة خاصة، في الأوقات التي كانت تتذبذب فيها الأسواق أو تتذبذب أسعار العملة.