في كتابهما «الريجيم: حقائق وأكاذيب» (صدر في بيروت، عن «دار الفراشة» في 240 صفحة من القطع الصغير، ترجمة: عبير منذر)، تدخل الباحثتان ليونيل نيغون - بودون وإيفلين لوست عالم الوزن الزائد والبدانة والسمنة، من باب الاقتصاد، لتبحثا سبل معالجة تلك الظاهرة من خلال ما يُسمى الحِمية أو الريجيم، التي تبدو لهما رهاناً اقتصادياً في الدرجة الأولى أيضاً. وتعطيان بعض الوقائع لتأييد ذلك المدخل، الذي يخالف كثيراً من الأفكار الشائعة عن هذه الظاهرة. فمثلاً، تصيب البدانة في فرنسا 17 في المئة من العائلات التي لا يصل دخلها الشهري إلى 900 يورو، في ما تصيب 8,1 في المئة من تلك التي يتجاوز دخلها الشهري 5300 يورو. ويعاني 6,5 من أصحاب المهن الحرة والمناصب المهنية الرفيعة من زيادة في الوزن مقابل 23 في المئة لدى العمال أو العاطلين من العمل. والسؤال هو: لماذا؟ وما علاقة قلّة الدخل بزيادة الوزن؟ وترى العالِمتان أن الأسباب متعددة، لكن بعضها لا تخطئ العين علاقته مع الاقتصاد. فمثلاً، يقلّ سعر كيس البطاطا المقرمشة «تشيبس» (التي تصلها روابط كثيرة مع السمنة) عن سعر كيلو الفاصولياء أو السبانخ. وفي كثير من الدول، ارتفعت أسعار الفواكه والخضر، في حين لم ترتفع أسعار المشروبات الغازية الا بمعدل 20 في المئة، وأسعار السكاكر 45 في المئة. ويبدو غير بعيد القول أن تلك الأمور ربما فسّرت جزئياً انتشار البدانة بكثرة بين الفقراء من سكان الدول الغنية وخصوصاً بين الراشدين. وكذلك تتأثر البدانة أيضاً بالمناخ الحضاري السائد الذي أدى إلى أنخفاض معدل النشاط الجسدي في الأعمال اليومية. والمعلوم ان البدانة ترتبط مع مجموعة من الأمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وقصور عمل القلب وغيرها. تقترح الكاتبتان استخدام عبارة «نظام غذائي» بدلا ًمن حِمية، لأن المقصود ليس الحرمان الموقت من الطعام بل إعادة تنظيم السلوك الغذائي. ولذا يأتي كتابهما أقرب إلى الدليل أو المرشد إلى أفضل الحميات للتخلص من الوزن الزائد، ذلك أننا نأكل أكثر من حاجتنا، بتأثير الغنى في أنواع الطعام وقلة الحركة . وتتحدث الكاتبتان عن «مؤشر البدانة» الذي يتحدد من خلال قسمة الوزن (محسوباً بالكيلوغرام) على الطول (بالمتر) مضروباً بنفسه. فمثلاً، إذا كان وزن المرء 55 كيلوغراماً، وطوله 1,68 متر، فإن مؤشر البدانة يحتسب كالآتي: 55÷(1,68×1,68) أي 19,5. ويتراوح المؤشر المثالي بين 20 و25. وأما دون ذلك، فيعني النحافة. ويبدأ الحديث عن البدانة إذا تجاوز المؤشر درجة 30. وتقتبس الكاتبتان عن «منظمة الصحة العالمية» إشارتها إلى أن 60 في المئة من 56,5 مليون وفاة عالمياً في 2001 نجمت عن أمراض مزمنة، وأن نصف هذه الوفيات مرتبط بأمراض القلب والشرايين. كما أن ظهور البدانة وداء السكري لدى صغار السن يثير القلق. وخلافاً للأفكار المتوارثة، فأن 79 في المئة من الوفيات بالأمراض المزمنة تحدث في الدول النامية. وفي 2015، سيعاني 1,5 بليون شخص زيادة في الوزن، وسيصل 300 مليون إلى حال البدانة المفرطة. وقد أصبحت البدانة المفرطة مشكلة خطرة، وربما بقدر سوء التغذية، في آسيا وأميركا اللاتينية وحتى في بعض مناطق أفريقيا. وكلما ظهرت السمنة باكراً، أدّت إلى إمكان الإصابة بأمراض مزمنة. ما يهمّ الباحثتان في الحمية هو الثبات في خسارة الوزن، بحيث لا تستعاد الكيلوغرامات المفقودة بالحمية لاحقاً، كما يحصل في غالبية الأحيان. وترفعان شعارات مثل: «إنحفوا في شكل بطيء، انما أكيد» و «لا تهملوا الفطور» و «ضرورة التوازن الغذائي» وغيرها. وتريان أن الأكل الصحي يجب أن يتضمن حصصاً من فئات الطعام الكبرى مثل الخضر والفواكه واللحوم والبيض والأسماك والحبوب والبقول والحليب ومشتقاته، وعصير الفواكه، والماء. وما يميز كل فئة عن الأخرى هو الكمية. وتتفق الإرشادات الغذائية الحالية على توزيع النسب على الشكل الآتي:50 إلى 55 في المئة من النشويات، و9 إلى 12 في المئة من البروتينات، و30 إلى 35 في المئة من الدهون. وترى العالِمتان أن الأمر الجوهري يتمثّل في أن تأتي الحمية على مقياس الشخص، فتتناسب مع وضعه الفيزيولوجي وأسلوب عيشه. وتطلبان الاحتراس من التعليمات التي لها علاقة ب «مذهب أو اعتقاد غذائي» أكثر من الحقائق المدروسة عن التغذية، إذ أن تلك الحميات تستجيب أكثر لما يحبه أو يكرهه أولئك الذين يقترحونها. تتبنى الكاتبتان أهداف «البرنامج الوطني الفرنسي للتغذية والصحة» الذي يشدد على زيادة استهلاك الفواكه والخضر والكالسيوم، وخفض الاستهلاك الوسطي للدهون في الغذاء إلى ما دون 35 في المئة، مع تخفيض الكوليسترول في الدم بنسبة 5 في المئة، وخفض ضغط الدم لدى البالغين بمعدل 2 إلى 3ملليمترات من الزئبق، وخفض انتشار زيادة الوزن والبدانة عند البالغين بمعدل 20 في المئة، والحد منها عند الأطفال، وزيادة النشاط الجسدي اليومي إلى 30 دقيقة على الأقل وغيرها. وتعطيان نصيحة أخيرة تتمثّل في شعارَي «أحبوا أنفسكم وأحترموها» و«تحلوا بالشجاعة»!