قد يستغرب القارىء كثرة المعالم الطبيعية في لبنان، خصوصاً وأن مساحته لا تتعدى ال 10452 كيلو متراً مربعاً. فهذا البلد المتوسطي يزخر بما حاكته الطبيعة ورسمته وحفرته وشادته! وإذا كانت مغارة جعيتا الشهيرة هي «أم المغاور» في لبنان من جهة المساحة وتعدد المشاهد الطبيعية الأخّاذة والنجاح في تأهيلها ورفدها بمرافق حديثة كالتلفريك والقطار والقاعات السمعية البصرية والمطاعم وغيرها لتغدو قبلة الزوار والسيّاح... فهناك في بلد الأرز عدة مغاور أخرى منها محابس وادي قنوبين ومغارة قاديشا في الشمال ومغاور كفرحيم وعين وزين في جبل لبنان وكفر زبد في البقاع وعدلون جنوباً، فضلاً عن المغاور غير المكتشفة أو المستثمرة في المناطق اللبنانية الأخرى. وها نحن في تحقيقنا هذا نستكشف مغارة جديدة أطلق عليها اسم مغارة «مبعاج» في محافظة جبل لبنان، وهي من المغاور غير المعروفة من قبل كثير من اللبنانيين على رغم قدم اكتشافها إبّان الإنتداب الفرنسي على لبنان في العقد الأول من القرن الماضي. وتعود تسمية «مبعاج» الى مصدرين: الأول مشتق من اللغات القديمة ويعني الأرض المقدسة حيث إكتشفت في المغارة كهوف تعود الى 4000 سنة كانت تقطنها شعوب بدائية، والثاني يعود الى اللغة العربية ومعناه إنبعاج المياه وتدفّقها من الداخل. تقع المغارة في بلدة علمات، قضاء جبيل، بجوار دير القديسة «تريزيا» وعلى بعد 20 كيلو متراً من جبيل المدينة الساحلية العريقة، وبالتالي تبعد عن بيروت مسافة 55 كيلو متراً وترتفع عن سطح البحر 800 متر. ويروي سكان البلدة أن أجدادهم وآباءهم كانوا ينزلون من فوّهات صغيرة في الصخر ليشاهدوا مناظر طبيعية جميلة، وفي العام 1938 تولى الفرنسيون استكشاف مغارة ساروا بداخلها كيلومترات عدة! وقام الفرنسي بروس كوند العام 1952 بعملية استكشاف علمية لها حيث استخدم فريقه القوراب المطاطية لاجتياز بركها وبحيراتها! واليوم يعكف إبن البلدة اللبناني العميد المتقاعد نبيل حيدر على تأهيل المغارة وتطويرها بعد أن نال موافقة «الرهبنة اللبنانية» مالكة الأرض للقيام بذلك، وعلى مدى ثلاث سنوات عمد الى إنارة المغارة (تزال وسائل الإنارة شتاء) وتأهيل ممراتها لتصبح آمنة للزوّار بحيث بلغت المسافة المخصصة لهم حتى الآن 300 متر فضلاً عن القاعات والدهاليز التي يمكن الوصول اليها عبر درج طوله 40 متراً. وفي المغارة أيضاً 150 متراً من النوازل والطوالع تتميّز بوجود بريق نادر فيها يميّزها عن المغاور الأخرى في لبنان والمنطقة العربية. كتب أحد السياح من الأشقاء الكويتيين في سجل الزوار: «مغارة مبعاج رائعة الأرض»! ويمكن للزائر تنشّق الهواء الصحي والمنعش وتلّمس تضاريس صخرية متعرجة داخل الردهات الداخلية، حيث تفتح المغارة أبوابها ستة أشهر في العام بسبب تدفق المياه الجارفة داخلها فتتحول نهراً متدفقاً يصب في بلدة الفيدار الساحلية جنوبي جبيل. والعمل جار على قدم وساق لوضعها على الخريطة السياحية في لبنان كي يتعرّف الى معالمها الخاصة اللبنانيون والأشقاء العرب والسيّاح الأجانب.