«طوالع» و«نوازل» من الصخر الكلسي المكوّن بفضل الماء منذ أربعة ملايين سنة!؟ شموع وثريات وتماثيل متدلية من السقف وصاعدة من الأرض ومنبثقة من الجدران، متلّونة بالأرجواني والوردي واللازوردي والأحمر والبرتقالي. هذه المشاهد اجتمعت في مغارة كفرحيم الواقعة في محافظة جبل لبنان على بعد 25 كلم من بيروت، وهي تشكّل فعلاً مأثرة جمالية تسبّح الخالق فتنهض شاهداً على أروع الأنامل الفنية على الإطلاق... ألا وهي أنامل أمنا الطبيعة، أم الإبداعات. في ربيع العام 1974 كان بعض الأولاد يلعبون كرة القدم، فتدحرجت الكرة لتسقط في فوهة عند أسفل تلة صخرية. تعقّب الأطفال كرتهم ونزلوا الى قعر الجبل ليفغروا أفواههم الصغيرة مطلقين صرخاتهم المدوية وكأنهم في حلم! فها هم في مغارة مزدانة بأشكال مهيبة وألوان بديعة تحمل آلاف الأشكال المدفونة تحت الأرض. وعندما وصل الخبر الى أصحاب الأرض الأخوة شفيق وحسام وغسان أبو خزام، هرعوا الى المكان ليجدوا عشرات الأشخاص الذين سبقوهم الى هناك وقد عقدت الدهشة ألسنتهم أمام الجمال الأخّاذ الذي اكتشف للتو تحت الأرض. وكان عنوان الصحف في اليوم التالي: «جعيتا ثانية في كفرحيم»! وفوراً انتدبت وزارة السياحة باحثي آثار للكشف على المغارة، وأعطت آل أبو خزام علماً لترميمها على حسابهم الخاص. وبالفعل استدعى الأخوة الثلاثة خبراء أخصائيين في علم الجيولوجيا وأخذوا ينقبون الصخر بالأزاميل حتى تمكنوا من شق فتحة كبيرة كمدخل أول يصل المغارة بأربع درجات ومدخل ثان يصلها بعشرين درجة. ثم شقوا أغواراً جديدة صوب الداخل الى عمق تسعة أمتار، وكانوا ينقلون الأتربة الى أماكن بعيدة للتخلص منها مما استتبع صرف المبالغ الطائلة للإنتهاء من أعمال التنقيب والتي بلغت في ذلك الزمن (سنة 1974) نصف مليون ليرة لبنانية، وهو مبلغ ضخم يومذاك فإضطر الأخوة الثلاثة الى بيع بعض من أراضيهم لتوفير الأموال اللازمة لإنهاء المشروع. وفي النهاية أزفّ الموعد الذي انتظره الجميع، وأظهرت الإكتشافات والحفريات ان في هذه المغارة ترسبّات كلسية عائدة لأربعة ملايين عام تقريباً ولم يدخلها أي انسان قبل اكتشافها. وكان إرتفاعها يومئذ متراً وستين سنتم كحد أقصى وستين سنتم كحد أدنى، فعملوا على توسيعها وفتح آفاقها وترميمها بحيث أصبحت مركزاً سياحياً مهماً في منطقة الشوف. ووصل الإستكشاف الى حد خمسين متراً حيث المناظر الخلابة التي جسدتها الطبيعة، فتخال نفسك أمام تماثيل صنعتها قطرات المياه. أما عمق المغارة عن سطح الأرض فيتراوح بين 6 و 15 متراً وتبلغ درجة حرارتها بين 18 و22 درجة. وإذا كانت دروبها الداخلية متعرجة، إلا ان الرحلة داخلها تستغرق 20 دقيقة فقط. وفي داخل مغارة كفرحيم تسمع قطرات مياه تنساب بخفر من بين الصخور، وها هي قطرة ماء تتسلل الى جبهتي فأستشعر عمرها الذي يناهز أربعة ملايين سنة وقد اجترحت معجزة في الصخر، فتحول الى رائعة الروائع وبدعة البدائع!