يترقب المصريون ما ستؤول إليه الاحتجاجات التي تنظمها ائتلافات شبابية عدة اليوم بالتزامن مع ذكرى الثورة، في وقت كشّر البرلمان الجديد الذي يسيطر عليه الإسلاميون عن أنيابه، في أول جلسة موضوعية أمس بعد عقد جلسة إجرائية أول من أمس، وشكّل لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث «ثورة 25 يناير» وسقوط آلاف الشهداء والمصابين فيها. وجاء ذلك في وقت سعى رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي إلى احتواء «الغضب»، فأطل على المصريين بكلمة أعلن فيها إلغاء حال الطوارئ اعتباراً من اليوم إلا في جرائم البلطجة. وتعهد عودة الجيش إلى ثكناته فور انتهاء المرحلة الانتقالية. ودعا طنطاوي الشباب إلى تأسيس كيان حزبي يمارسون من خلاله دوراً سياسياً، متعهداً مساندتهم في هذا الصدد. وقال رئيس المجلس العسكري في كلمة وجهها إلى الشعب عبر التلفزيون الرسمي، إن «ما تشهده مصر الآن من تغييرات جذرية هي نتاج تضحيات شعب عظيم، وفي هذا اليوم نذكر بكل الفخر والإجلال أرواح شهداء ثورة يناير». وأكد أن القوات المسلحة أيدت الثورة بموقف وطني وأنها لم تحد أبداً عن أهدافها، مشدداً على أن مصر تدرك ما يحيط بها من مخاطر وصعاب وتحديات لكنها قادرة على مواجهتها. وقال: «لا تهاون مع من يحاول زعزعة أمن واستقرار مصر أو يمس وحدة شعبها ويحاول الوقيعة بين أبناء الشعب». وشكر رجال الشرطة والقضاء على دورهم. وخاطب القوات المسلحة قائلاً: «قدمتم صورة مشرفة للعسكرية وحافظتم على عهدكم ووضعتم المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار وحافظتم على الثورة ووفرتم الحماية لأهلكم وتعرضتم للكثير من التحديات». وكان البرلمان خصص أولى جلساته الموضوعية لمناقشة ملف شهداء ومصابي الثورة وسمّاها «جلسة الوفاء لدماء الشهداء ومصابي الثورة». وشهدت الجلسة هجوماً حاداً على المجلس العسكري والحكومة ومطالبات باستدعاء رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري ووزيري العدل والداخلية، ولم يتمكن وزير شؤون مجلس الشعب والشورى المستشار محمد عطية من استكمال إلقاء بيانه من فرط الهجوم عليه ومقاطعته من قبل النواب الذين تحدث العشرات منهم عن معاناة أسر الشهداء والمصابين وأجهش بعضهم بالبكاء تأثراً بكلمة النائب عن حزب «الحرية والعدالة» الدكتور أكرم الشاعر والد مصعب الشاعر أحد المصابين في الثورة. وانتقد غالبية النواب الذين تحدثوا أمس سير محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وطالبوا بإجراء محاكمة «سياسية ثورية» له ولأسرته وأركان حكمه وتشكيل هيئة من المستشارين أعضاء البرلمان تتكفل بهذه المحاكمة، وطالبوا بضرورة نقله إلى السجن بدل إيداعه المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة. وطالب عدد من النواب بإلغاء قانون الطوارئ المعمول به حالياً، وهو الأمر الذي لبّاه المشير طنطاوي في كلمته أمس. وكانت الجلسة استهلت ببيان ألقاه المستشار عطية، لكنه لم يتمكن من إكماله بسبب الهجوم عليه. وتحدث عطية عن التعويضات التي صرفها المجلس القومي لرعاية الشهداء والمصابين لأسر الشهداء والمصابين. لكن النواب قاطعوه ورفضوا الحديث عن تعويضات مالية وتساءلوا عن محاسبة المسؤولين عن القتل. وقال أحدهم: «الأيام المقبلة ستشهد ثورة جديدة إذا لم تسترد حقوق الشهداء والمصابين ومحاكمة المسؤولين عن قتلهم وإصابتهم». ولم ينجح رئيس البرلمان الدكتور سعد الكتاتني في تهدئة غضب النواب وطالبهم مراراً بالهدوء لحين انتهاء الوزير من بيانه، لكنهم طالبوا بعدم الاستمرار في هذا «الهراء»، فلم يجد الكتاتني بداً من استجابة رغبات النواب وقرر توزيع بيان الوزير مكتوباً على النواب الذين بدأوا في مناقشة الموضوع. وطلب أكثر من 300 نائب الحديث، ووعدهم الكتاتني بمنحهم جميعاً الفرصة للحديث حتى ولو امتدت الجلسات لأيام. وقال إن الموضوع «سينتهي في النهاية بتشكيل لجنة تقصي حقائق برلمانية حول شهداء الثورة ومحاكمات القتلة». وبدأ النائب المستقل عمرو حمزاوي الحديث بالمطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق تقوم بمحاسبة من انتهكوا حقوق شهداء ومصابي الثورة. وقال إن اللجان الحكومية التي تشكلت للتحقيق عقب أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء «لم تفعل شيئاً»، ولذلك يجب تطبيق القانون «حتى نحاسب المتسببين في قتل الشهداء والمصابين». وطالب بصرف تعويضات ومعاشات لمصابي الثورة، والبعد عن البيروقراطية التي تعطّل صرف المستحقات، كما طالب بتعديل القانون العسكري بحيث لا يشمل محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وإلغاء قانون الطوارئ، معتبراً أن التمديد الذي تم للقانون غير قانوني. وأخذ على المجلس عدم دعوة أهالي الشهداء والمصابين لحضور الجلسة. وقبل أن يتحدث النائب مصطفى بكري طلب الكتاتني منه منح الكلمة للنائب أكرم الشاعر الذي تحدث عن معاناة ابنه المصاب مصعب فأبكى نواب البرلمان. وقال الشاعر إن أهالي الشهداء والمصابين لا يريدون أموالاً أو تعويضاً، ولكن يريدون محاكمة عادلة وسريعة لمعاقبة المتسببين في قتل وإصابة المتظاهرين. وانتقد «بطء العدالة» في مصر، مستشهداً بمحاكمة مبارك التي وصفها بأنها «مسرحية سخيفة» و «هزلية». وطالب بإيداع مبارك السجن وتشكيل لجنة تقصي حقائق والقبض على كل من تسبب في إصابة وقتل الشهداء وإهدار أدلة إدانتهم وإجراء محاكمات سياسية لهم. وقال: «على مجلس الشعب ولجنة تقصي الحقائق أن تصدر أحكاماً سياسية على هؤلاء». وطلب أن يكون عضواً في اللجنة. وطالب النائب المستقل مصطفى بكري بإجراء «محاكمة ثورية لقتلة الشهداء». وقال: «نرى مبارك يتنقل بطائرة ويرقد في مستشفى 5 نجوم وسوزان مبارك تتنقل (بحرية) على رغم الأدلة المقدمة ضدها»، مؤكداً ضرورة إيداع قتلة الثوار السجون. أما النائب عن حزب «الكرامة» سعد عبود فطالب بالتحقيق مع قادة المؤسسات الأمنية ومنها الاستخبارات العامة «لإهمالها» في تقديم الأدلة التي تدين قتلة الشهداء للنيابة العامة. وقال: «لا يمكن الحديث عن القصاص للشهداء من دون أن نحقق مع المؤسسات التي تورطت في القتل ومن ضمنها الاستخبارات». وسعى نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» الدكتور عصام العريان إلى تهدئة غضب النواب. وقال: «قلوبنا تدمى لمقتل الشهداء والمصابين، لكن يجب أن نخرج بقرارات موضوعية ملزمة لأي مؤسسة، ويجب أن نفكر بعقل وهدوء ونحترم الإعلان الدستوري والقانون لنصل إلى قرارات صحيحة». ورد النائب عن «الحرية والعدالة» صبحي صالح بأن «المجلس من حقه مناقشة أي شيء»، مشيراً إلى أن النيابة العامة قالت إن مؤسسات الدولة لم تتعاون في قضية قتل الشهداء، «ومن ثم فالدولة مدانة لأنها تسترت على القاتل». وأيد زعيم الغالبية الدكتور حسين إبراهيم تشكيل لجنة لتقصي حقائق أحداث الثورة. وانتقد بيان الحكومة ووصفه بأنه «مستفز». أما النائب عن حزب «الوفد» الدكتور محمود السقا فقال: «أتينا من أجل الشهداء، فكيف نصل إلى حقهم؟». وطالب القضاء بالاعتذار عما يجرى في محاكمات قتلة الشهداء. وانتقد النائب عن «الكتلة المصرية» محمد أبو حامد «الانتقائية» في المحاكمات. وأوضح أن المجلس العسكري مسؤول عن أحداث القتل في الأحداث التي تلت الثورة وطالب بمحاكمة أعضائه عن هذه الأحداث. كما طالب النائب عن «تحالف الثورة مستمرة» أبو العز الحريري بمحاكمة أعضاء المجلس العسكري. وقال: «صلاحيتنا أعلى من الدستور الذي سقط ومن المجلس العسكري بحكم أننا برلمان الثورة». ودعا النائب عن حزب «الحرية والعدالة» الدكتور محمد البلتاجي لجنة الدفاع والأمن القومي باستدعاء قيادات جهاز الاستخبارات لسؤالها حول وقائع قتل المتظاهرين. وطلب العشرات من نواب حزب «النور» السلفي بتشكيل لجنة من مستشاري المجلس لمحاكمة مبارك وإيداعه السجن ومراقبة تحركات زوجته سوزان ثابت. وأمام «ثورة الغضب» التي أبداها النواب في هذا الصدد، اقترح ممثل الحكومة وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى المستشار محمد عطية حضور وزير العدل إلى البرلمان لاستعراض سير المحاكمات الخاصة بقتلة الشهداء، ورد عليه رئيس البرلمان سعد الكتاتني بضرورة حضور رئيس الوزراء ووزراء العدل والصحة والداخلية. وأفيد بأن الكتاتني أجرى خلال الاستراحات بين جلسات البرلمان أمس مشاورات للاتفاق على تشكيل لجنة تقصي الحقائق لئلا تتكرر مشاهد المشادات التي وقعت في الجلسة الإجرائية أول من أمس. وقرر تغيير اسم القاعة الرئيسية في البرلمان من «النيل» إلى «ثورة 25 يناير». وأكدت جماعة الإخوان على لسان المتحدث باسمها الدكتور محمد غزلان المشاركة في تظاهرات اليوم في ذكرى الثورة. وقال غزلان ل «الحياة»: «سنشارك ليس للاحتفال ولا الاحتجاج ... العنوان استكمال أهداف الثورة والتظاهر في شكل سلمي». وقال المتحدث باسم حركة 6 أبريل محمود عفيفي ل «الحياة»: «سنتظاهر في شكل سلمي من أجل استكمال أهداف الثورة والمطالبة بإسقاط حكم العسكر»، مؤكداً أن التظاهرات لن تشهد أي أعمال شغب وأن كل الائتلافات الشبابية متفقة على ضرورة الحفاظ على سلمية الثورة. وقال: «نرى أن استكمال أهداف الثورة يبدأ بإسقاط حكم العسكر أما الآخرون فيرونه بالاستمرار في خريطة الطريق التي وضعها المجلس العسكري لنقل السلطة». وأوضح أن قرار الاعتصام سيتم التشاور في شأنه مع مختلف القوى الشبابية، لكنه لم يستبعده. وكان ميدان التحرير شهد أمس استعدادات مكثفة من مختلف القوى الشبابية للتظاهر اليوم. ولوحظ زيادة أعداد المعتصمين والخيام وبدأ النشطاء في تعليق لافتات تندد بالمجلس العسكري وإدارته للمرحلة الانتقالية ومطالبة بمحاكمة أعضائه. وأكد الدكتور محمد البرادعي أن «الحوار بين الثوار والبرلمان والمجلس العسكري والحكومة هو مفتاح التوافق الوطني». ودعا في تدوينة على موقع «تويتر» البرلمان إلى التركيز على إلغاء التشريعات «القمعية»، وضمان استقلال القضاء والإعلام، وهيكلة الأمن، وتعافي الاقتصاد. وأضاف: «أولويات الثورة هي الدستور والأمن والاقتصاد والقضاء والإعلام والقصاص». وكان البرادعي قال في تصريحات خلال حضور حفلة توقيع كتاب جديد للدكتور علاء الأسواني إن الثورة المصرية أصبحت في حاجة إلى هيئة عليا ومتحدثين باسمها حتى لا تتشتت قواها، مضيفاً: «أريد أن أرى حشداً حقيقياً (اليوم)، لأن الثورة مستمرة وستنتصر وتحقق كل أهدافها».