في كل شهر، ومنذ أكثر من عام، تحتضن قاعة مركز خليل السكاكيني الثقافي في مدينة رام الله، لقاءات «لوز أخضر»، التي تشهد ولادة أو اكتشاف إبداعات فنية شبابية، انطلقت من نصوص منشورة لأصحابها في مجلة «فلسطين الشباب» الشهرية، إلى الجمهور عبر «السكاكيني». ويشارك في تلك اللقاءات أديب أو أكاديمي أو كاتب مكرس ذو علاقة بالصنف الأدبي المقدم، ليس من باب «النصح والإرشاد»، بل من باب النقد البنّاء الرامي الى تفعيل حركة «الأدب الجديد»، أو «الأدب الشاب»، في وطن عانى ولا يزال من الاحتلال. و «لوز أخضر»، بحسب القائمين على المبادرة، لا يأتي إلا في الربيع، وينعش الأرض بعد شتاء قاس، أي أنه شاهد على عودة الحياة، وهو ما أوحى للقائمين على ملتقى ادب الشباب باختيار التسمية، فاللوز الأخضر مازال في طريقه الى النضج، ومع ذلك لا طريقة لصد رغبة الناس في تذوقه والاقبال عليه بشغف، وكأنه من اولى بشائر الربيع، لذا كانت مبادرة «لوز أخضر» الأدبية التي انطلقت بالتعاون بين مجلة «فلسطين الشباب» (شركة جيل للنشر) ومركز خليل السكاكيني الثقافي. وينحاز الملتقى لأدب الشباب وكتاباتهم، فيستضيف في كل لقاء كتاباً من الشباب الفلسطينيين حيثما وجدوا وهي لقاءات تتنوع في صنوفها الأدبية، ما بين الشعر، والقصة، والمقالة، والرواية، والسيرة، والقصة الصحافية، ومقالة الرأي، وغيرها. وقد تبدو كلمة «حيثما تواجدوا» مفرطة بالأمل، لكن تقنية «سكايب» جعلت أمل الشباب الفلسطينيين بلقاء أدبي ممكناً وفي متناول اليد، سواء كان الكاتب الفلسطيني في غزة، أم حتى خارج فلسطين. وتقول نسرين عواد، إحدى القائمات على «لوز أخضر»، إنه مبادرة شبابية بامتياز، وتهدف إلى تطوير الشباب المبدع أدبياً، عبر بناء جسر من التواصل بين الكتاب الشباب الفلسطينيين، وكثير منهم يطل على الجمهور للمرة الأولى في نص أول، وكاتب أو أديب محترف ومكرس على الصعيد المحلي، وربما العربي والعالمي، من باب نقد هذه الكتابات والإبداعات وتطويرها. وتقول عواد ل «الحياة»: الفكرة إلى حد ما كانت في بداياتها ثورية، عبر جمع كاتب محترف وكاتب مبتدئ يتبادلان الآراء. لكن مع الاقتراب من اللقاء العشرين، باتت الأجواء أكثر حميمية، وهدفها الإفادة، وبخاصة للشباب، لأن كل لقاء يخصص لصنف أدبي أو إبداعي بعينه ويأخذ حقه في النقاش». وتفخر عواد بأن «لوز أخضر» من المبادرات الشبابية الفلسطينية الأدبية التي تتواصل منذ أكثر من عام ونصف العام، ولم تقف في بداية الطريق، بل إنها تتطور مع الوقت، محافظة على نهجها منذ البداية. وكشفت عواد أن القائمين على المبادرة يدرسون توجهات لنقل «لوز أخضر» كملتقى من رام الله، إلى غيرها من المحافظات الفلسطينية، أو إلى الجامعات المختلفة في الضفة الغربية، خصوصاً أن رام الله باتت متخمة بالفعاليات الثقافية والفنية على مدار العام، وبمختلف أنواعها. ويرى العميد السابق لكلية الآداب في جامعة بيرزيت الدكتور أحمد حرب، أن ثمة محاولات جادة في الكتابات الشبابية التي تقدمها «لوز أخضر»، ومحاولات للتجديد، لكن في الوقت ذاته، ثمة نمط سائد يقوم على عدم استيعاب الكثيرين لماهية التجديد، وكأن الأمر برمته يقوم على كسر القواعد، وتحطيم اللغة، «وهذا أمر غير سليم» كما يقول. ويضيف حرب ل «الحياة»: «لا نطلب من الشباب التقيد بالأنماط الكلاسيكية المعروفة في الأنواع الأدبية على تنوعها، المشكلة أن ثمة فهماً غير ناضج نقدياً لأنواع الكتابة. فالابتعاد عن القراءة وانتشار مصطلحات الإنترنت ساهما في ذلك، لكن الأساس هو أن الكثير من الشباب يدّعون التجديد، في وقت لا علم لهم لا من قريب ولا من بعيد بالأساسيات، أو بما هو قديم ليدّعوا تجديده. كيف لي أن أجدد شيئاً لا أعرف قواعده وأسسه؟ هذه هي المشكلة التي يعاني منها غالبية الشباب». ويرى حرب أن مبادرة مثل «لوز أخضر» قد تكون كفيلة بتطوير الذائقة النقدية، والحس الإبداعي الحقيقي، عند الكثير من الشباب الذين جاء بعضهم ليستفيد بالفعل، ويريد تطوير نفسه، وبعضهم أصيب في مقتل لاعتقاده بأنه بات «كاتباً عظيماً». ويقول: «لا مفر من القراءة. لا مبدع في الكتابة بلا قراءة واطلاع. هذه بديهيات! ربما حداثة السن وحداثة التجربة تجعلان العديد من التجارب الشبابية مسطحة، وإن كان ثمة كتاب شباب يستحقون لقب مبدعين باقتدار، كما أن الإنترنت، وال «فايسبوك» يخرّبان اللغة، على رغم ما لهما من فوائد. أنا لست مع القسوة على الشباب، لكن لا نريد أن يعيشوا الوهم بالعظمة».