كان على غزة أن تنتظر خمس سنوات كي تنفض غبار الأسى والحصار وتقطف من رياحين الثقافة والفن والأدب من منابعها ولو لأيام، لقد كان لقاءً عاطفياً بالدرجة الاولى مشحوناً بالكثير من الشوق والتعطش للموسيقى والابداع والفكر والعتاب على أن اللقاء تأخر كثيراً. في غزة، وجدت احتفالية فلسطين للأدب في عامها الخامس بيتاً جديداً عطفاً على رام الله وبيرزيت. بدأت احتفالية فلسطين للأدب عام ألفين وثمانية وأخذت طابع المهرجان الأدبي المتنقل بهدف دعم الصلات الثقافية بين الأراضي الفلسطينية والعالم. وبقيت غزة على مدى السنوات الخمس الماضية بعيدة المنال منسية في طيات الحصار تاركة في قلب منظميه جرحاً. ومع نسمات ربيع الثورات العربية تجدد الأمل في أن يتحقق الحلم وتذهب الاحتفالية لقطاع غزة. لم يكن الطريق سهلاً وحتى اللحظات الأخيرة كان بصيص الأمل يراوغ بعد أن ظهرت عقبات اللحظة الأخيرة. فقد تقدمت إدارة المهرجان إلى وزارة الخارجية المصرية بطلب تصريحات سفر للمشاركين في المهرجان حسب الإجراءات الرسمية وتم ابلاغ المنظمين أن الإجراءات لن تستغرق إلا عشرة أيام غير أن الانتظار كان ملحاً حتى أنهم نظموا وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع بتحقيق مطالبهم. وفي الخامس من شهر مايو الجاري تمكنت القافلة الثقافية من الدخول إلى غزة المحاصرة عن طريق معبر رفح وهي تضم في جنباتها أكثر من ثلاثين من الأدباء والموسيقيين والفنانين. وتقول الروائية والكاتبة المصرية أهداف سويف التي لعبت دور القاطرة في الدفع بهذه القافلة إلى غزة وإحدى المنظمين لها إن الرحلة كانت تستاهل كل العناء الذي بذل من أجلها وإن اللقاء كان حافلاً وحميماً وأن التفاعل مع الجمهور فاق كل التوقعات، حيث أقيمت ندوات وأمسيات وورش عمل مع طلاب من الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية في اثنين من مخيمات اللاجئين كما عقد المشاركون في الاحتفالية لقاءات مع الكتاب والمثقفين وقادة المجتمع المدني في غزة. وبينما شهدت غزة الأنشطة الرئيسية هذا العام أبقى المهرجان على ايقاعه ووجوده في بقية المدن الفلسطينية، حيث عقدت الكاتبتان البريطانيتان ريتشيل هولمز وبي رولات ورش عمل للكتابة في بيرزيت بالاشتراك مع "ورشة فلسطين للكتابة" بعدها انضمت الكاتبتان إلى مايا أبو الحيات وعبدالرحيم الشيخ وعماد الصيرفي في مركز خليل السكاكيني في رام الله. وتقول أهداف سويف إن القافلة الثقافية عادت بالكثير من الأفكار من غزة وأشارت إلى أنها لمست عتاباً رقيقاً من أهل غزة على المنظمات الأهلية ورموز المجتمع المدني العربي لأنها لم تمد يديها إليها من قبل وتركتها فريسة لحصار ظالم سنوات طويلة، لكنها قالت إنهم على استعداد لتصويب الخطأ الآن مدفوعين بالثقة في غد عربي أفضل. وفي هذا الإطار أطلق المهرجان موقعه الإلكتروني الجديد باللغتين العربية والإنجليزية وتم تطويره بدعم من لجنة الفنون في بريطانيا. ويعنى الموقع بعرض الأصوات الأدبية الجديدة في الأراضي الفلسطينية إضافة إلى توفير مساحات على شبكة الإنترنت للتحليل والنقد وتبادل الآراء والخبرات بين الكتاب الشباب والمؤلفين الأكثر خبرة ورسوخاً على الساحة الأدبية. لأشك أن هذا المهرجان الأدبي حقق الكثير مما عجز الساسة على تحقيقه من كسر الحصار على غزة والتواصل معها وبث روح جديدة في عروقها لكي تصدق بحق مقولة المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في ضرورة مواجهة ثقافة القوة بقوة الثقافة.