توقع مراقبون في الأردن أن يكون بيان «شباب الإخوان» غير المسبوق بلهجته الذي صدر الأربعاء الماضي في شأن أحداث المفرق في الجمعة قبل الأخيرة من الشهر الماضي وتنصل جماعة «الإخوان» منه بعد يوم من صدوره، هو القشة التي تقصم ظهر البعير وتخرج إلى العلن الخلافات والانقسامات الحادة بين تياري «الحمائم والصقور» و «الشباب والشيوخ» داخل حزب جبهة العمل الإسلامي. لكن مسيرة الجمعة التي تلته وحملت عنوان «طفح الكيل»، أعطت انطباعاً معاكساً تماماً لدرجة أن أحد كبار «الحمائم»، رئيس المكتب السياسي للجماعة الدكتور رحيل الغرايبة ألقى خطاباً نارياً ضد الحكومة في المسيرة. خطاب الغرايبة الذي وجه تهديداً مبطناً إلى النظام بقوله «حتى اللحظة نريد إصلاح النظام»، ومقالته في صحيفة «العرب اليوم» اليومية المستقلة عقب أحداث المفرق، أوحيا للمراقبين بوجود إجماع داخل الحزب، وأن التوافق الذي يشهده التنظيم اليوم يصل إلى حد التطابق. وصف البعض بيان الشباب بأنه تبادل أدوار بين «صقور» الجماعة وشبابها، وآخرون قالوا إنه رسالة لمن يهمه الأمر فحواها أن الإهانة التي شعر بها شباب الجماعة في المفرق يمكن أن تذهب حد الصدام مع «زعران» يقال إنهم يعملون ب «الرموت كنترول» ضد الحراك الشعبي في الأردن، وإن على الدولة مساعدة «حكماء الجماعة» من أجل عدم انفلات شبابهم من بين أصابعهم. وكان شباب من عشائر بني حسن في المفرق أنذروا جماعة «الإخوان» بعدم تنظيم مسيرة لهم في المفرق، لكن عشرات من الإسلاميين (قدرهم المراقبون بسبعين شخصاً على الأكثر) أصروا على المسيرة وهتفوا «الشعب يريد إسقاط النظام»، فوقعت صدامات بين الجانبين وصلت إلى مقر حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذي أُحرق وتم الاعتداء على محتوياته. وسواء كان البيان معدّاً له سلفاً أو فوجئت به القيادات كما قالت في بيانها، وجد بيان الشباب لغة لينة من قيادة التنظيم على رغم تهديداته المبطنة بأن النظام «فهم حلم الإخوان (تجاه الزعرنة) وسعة صدرهم وإيثارهم للمصالح العليا ضعفاً منهم وجبناً». ويرى رئيس اللجنة السياسية في «جبهة العمل الإسلامي» زكي بني أرشيد أن «بيان الشباب مستعجل، وأن الأصل أن تتم مناقشته داخل الأطر التنظيمية»، وهو الأمر الذي أكده بيان جماعة «الإخوان» الذي قال إن بيان الشباب لم يصدر عن هيئة رسمية داخل تنظيم الجماعة ولم تطلع عليه القيادة أو تُستشر فيه. وترفض القيادات الإسلامية وصف التباين في الرأي داخل التنظيم بالصراع أو حتى بالازدواجية، قائلة إن اختلاف الآراء ليس أمراً جديداً وليس مقصوراً على الجماعة دون غيرها، خصوصاً في المحطات الساخنة، مثل حادثة المفرق التي لم يقتنع شباب التنظيم بآلية رد قيادة الحركة عليها. ويقول الناطق باسم «الإخوان» جميل أبو بكر ل «الحياة» إن التباين في الآراء طبيعي، ساخراً من الإشارات التي تتحدث عن انشقاق داخل الحركة الإسلامية في كل مرة يصدر عن قيادات الجماعة رأي ورأي مخالف. ويقول بني أرشيد إن سياسات الحركة تحددها مؤسساتها الرسمية، وهي المستويات القيادية المتمثلة بمجالس الشورى والمكاتب التنفيذية للحركة وليس من أي جهة أخرى، ولهذا فإن إصدار بيان باسم شباب «الإخوان» من دون العودة إلى الهيئات الرسمية للحركة يعد مخالفة تنظيمية وليس حرية تعبير. وعلى رغم تباين وجهات النظر داخل القيادات حول ما إذا كان بيان الشباب حرية تعبير دون العودة إلى مؤسسة الحركة أو مخالفة تنظيمية إلا أن العنوان المتوافق عليه في صفوف الحركة الإسلامية هو رؤية تحقيق إصلاح حقيقي تحت عنوان إصلاح النظام والتزام التعبير والحراك السلمي بعيداً من أية صدامات. وأكدت الحركة الإسلامية ممثلة ب «الإخوان» و «جبهة العمل الإسلامي» في أكثر من مناسبة أنها متمسكة بمنهجها السلمي المدروس البعيد من ردات الفعل حتى تتحقق أهدافها، علماً أن مجلس شورى «الإخوان» سيناقش في الخامس من الشهر الجاري سياسات الحراك الشعبي. ويجمع المراقبون على أن رغم جدلية الملف الإصلاحي وتعدد الآراء في شأنه حتى داخل البيت «الإخواني»، إلا أنه تمكّن من توحيد صف الحركة الإسلامية بحمائمها وصقورها التي لم تشهد منذ أشهر أي انسجام، فجاء ملف الإصلاح ليوحدها لمّا لم يوحدها ملف آخر منذ سنوات.