لا يعكس التعميم الصادر داخل تنظيم الأخوان المسلمين بخصوص عدم المشاركة بأي شكل بإجتماعات مبادرة أطلق عليها الإعلام المحلي إسم ‘وثيقة زمزم' سعيا لتكريس الثقة بالنفس على مستوى القيادة المستحكمة بالتنظيم بقدر ما يوحي بتدشين سلم الإجراءات التنظيمية للتعامل تصاعديا وبالقطعة مع هذه الوثيقة ورموزها بعدما أثارت عاصفة من الجدل في الأردن. كلمة السر في هذا السياق تتمثل في مبادرة سياسية مستقلة خطها قياديان في الحركة الأخوانية ولأول مرة وخلافا لأدبيات التنظيم بعيدا عن مؤسسات الجماعة، الأمر الذي إعتبر إشارة أولية توحي بإنشقاق ما على هامش خلافات تؤكد جميع المصادر أنها ذات ‘بعد شخصي' في مربع القيادة الأخواني. هذه المبادرة أعلنت عن نفسها في بيان تأسيس فهمت ‘القدس العربي' من الدكتور نبيل الكوفحي أحد قادة المبادرة أنه لم يكن معدا للنشر لكنه تسرب وبسرعة إلتقطت صحف إلكترونية وأخرى ‘حكومية' مقربة من السلطات بيان المبادرة وبدأت تضخه بالإعلام على أساس أنها بادرة لإنشقاق محتمل في التنظيم الأخواني. في التفاصيل حملت وثيقة البيان التأسيس إسم فندق صغير في العاصمة نطم الإجتماع الأول للمبادرة به بحضور عشرات الشخصيات المستقلة والحراكية من خارج اللون الأخواني وكان لافتا أن وراء المبادرة سبع شخصيات من كادر الأخوان أهمها وزير خارجية التنظيم الأخواني عمليا نبيل الكوفحي ورئيس اللجنة السياسية في حزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ إرحيل الغرايبة. وبعد تسرب أو تسريب وثيقة بيان زمزم تصدرت سيناريوهات الإنشقاق المحتمل ما دامت قيادات في الصف الأخواني تجرأت على تأسيس مبادرة مع شركاء خارج مؤسسات التنظيم وبدون مرجعيتها، الأمر الذي ناقشه مجلس شورى الجماعة في إجتماعه الأخير منتصف الأسبوع الماضي. وبعد التسريب سارع الغرايبة والكوفحي للإعلان عن مبادرة وطنية سياسية لا علاقة لها بالأخوان المسلمين لا من حيث الأدبيات ولا من حيث الخطاب. ورغم أنهما حاولا بوضوح نفي جزئية ‘الإنشقاق المحتمل' عن بيت الطاعة المؤسسي إلا أن التوضيحات التي صدرت حول المشروع لم تشرح مبررات العمل على تأسيس مبادرة سياسية يمكنها أن تتحول لحزب لاحقا بدون التشاور مع مؤسسات التنظيم وخلافا لأدبيات الجماعة المعتادة. الكوفحي ورفاقه في المحاولة الجديدة تمكنوا من إستيعاب صدمة التنظيم الأولى بعد تسريب خبر وثيقة زمزم حيث لم تصدر قرارات متسرعة أو إنفعالية من مؤسسة الأخوان ولم يصدر بيان رسمي يعلق على المشهد. وفي الوقت الذي تعتقد فيه مجموعة زمزم إنها إمتصت بذكاء الصدمة الأولى صدرت إشارة من المؤسسات الرسمية المرجعية تفيد بأن الدولة لا يمكنها حتى وهي تختلف مع الإسلاميين أو تصارعهم في الشارع تأييد محاولات إنشقاق محتملة . رغم ذلك حرصت وزارة التنمية السياسية في ورشة عمل نظمتها مؤخرا على دعوة رموز وثيقة زمزم وبعض المنشقين سابقا عن التنظيم الأخواني للمشاركة والنقاش. في نفس الوقت تجنب الفريق القيادي في مؤسسة الأخوان الذي يفترض ان وثيقة زمزم ينبغي أن تضايقه أو حتى تنقلب عليه وهو فريق بزعامة الرجل الثاني ونائب المراقب العام الشيخ زكي بني إرشيد ..هذا الفريق تجنب التعامل بإنفعال وتسرع مع المسألة فبادر لإستراتيجية التعاطي بالقطعة مع الموقف والإحتمالات. هنا حصريا يلاحظ أحد خبراء الحركة الإسلامية في حديثه للقدس العربي بأن الغرفة المتحكمة بقرار مؤسسات الأخوان تعاملت بروحية مرنة مع مجموعة زمزم فلم تمنحها فرصة ‘الإستشهاد' سياسيا أو تنظيميا ولم تبادر لفرض عقوبات تنظيمية عليها وإكتفت بان أصدرت تعميما تمنع فيه كادر التنظيم من التعامل مع مبادرة زمزم بمعنى سحب الشرعية منها تحت طائلة المحكمة الحزبية. هذه الإجراءات برأي الخبراء مرنة وذكية لدرجة أنها تحرم الثنائي الغرايبة والكوفحي من ‘مواجهة مبكرة' من المحتمل أنهما سعيا إليها علما بأن الكوفحي أكد للقدس العربي على هامش إجتماعات البحر الميت الأخيرة وقبل ذلك لصحيفة الدستور بأن وثيقة زمزم ليست إنقلابية وليست إنشقاقية ولا تختص بالأخوان المسلمين. بالمقابل يوضح الشيخ إرشيد بأن مؤسسات الشرعية في التنظيم ناقشت الموضوع وتستطيع التعامل معه وفقا للأدبيات المألوفة معربا عن الإطمئنان لإن الإجتهادات الفردية لن تؤدي بكل الأحوال لإسعاد خصوم الأخوان المسلمين بحصول إنشقاق يمكن أن يكون مؤثرا فعلا. تكتيك رموز مجموعة زمزم واضح للخبراء ويتمثل في الإستعانة بالمبادرة الجديدة لتحقيق تفاضل عددي داخل مؤسسات التنظيم بحيث ينتهي المشهد بإعادة إنتخابات داخلية لإختيار قيادات المؤسسة الأخوانية حتى يخرج الفريق النافذ الحالي من الأطر القيادية بقيادة بني إرشيد وعلي أبو السكر ومراد العضايلة ومحمد الزيود واحمد الزرقان وغيرهم. تحقيق ذلك قد يتطلب يتطلب عبور 14 يوما بدون مواجهة داخل التنظيم وكسب المزيد من الأصدقاء بالداخل والتشويش قدر الإمكان داخل مجلس الشورى على المجموعة المستهدفة عبر مذكرة داخلية تضمنت توجيه 30 سؤالا لمؤسسة الشورى يفترض أصحابها أنها أسئلة محرجة ستقلص هامش المناورة امام الطرف الأخر. اما تكتيك الشيخ إرشيد ومجموعته النافذة في قيادة المطبخ الأخواني فيتمثل في إستيعاب صدمة مبادرة زمزم ومنعها من ‘النمو' داخل التنظيم وقطع الشرعية عنها والعمل على نبذها عبر التعميم الصادر للكوادر الذي يمنع التعاطي معها بدون إستفزاز اي جهة عبر المسارعة لمحاكمة رموزها حزبيا. إنتاجية هذا التكتيك بالمقابل تتطلب النجاح في تجنب سيناريو ‘إعادة الإنتخابات الداخلية ‘وإظهار المرونة او حتى إدعائها في التعامل داخل مؤسسات التنظيم المرجعية مع وثيقة زمزم وأصحابها بحيث تحاصر الوثيقة ولا تصبح من أدبيات الجماعة ويصل الجميع لقناعة بأن ‘إنشقاقا' جماعيا محدودا مرة أخرى لن يكون مؤثرا في سياق الأحداث لو أصبح إضطراريا. الجدير ذكره هنا أنه لا يمكن رصد تباينات مؤثرة في مضمون خطاب وثيقة زمزم قياسا بخطاب مؤسسات الجماعة مما يعزز قناعة المراقبين بأن المسألة ‘شخصية' أكثر من كونها موضوعية. وثمة ملاحظة موازية لا يمكن إسقاطها من الحسابات فهذه المحاولات والخلافات برزت عندما حسم الفريق النافذ في الجماعة يوم 5- 10- 2012 خلافا قديما وإستعان بورقة الثقل الديمغرافي الفلسطيني في أضخم مسيرة تشهدها البلاد حتى الأن منذ إنطلق الحراك بإسم ‘إنقاذ الوطن'.