يبدو أن لشركات التوظيف ووكالاته قدرة كبيرة على المقاومة، لأنها لا تشعر ببرد أزمة المال العالمية. بالطبع، يدرك أصحاب وكالات التوظيف أنهم أصبحوا الأبواب الرئيسة لدخول الشباب والمتخرجين إلى أسواق العمل. كما يعلمون أن العمال والموظفين الجدد يحتاجون إلى ضمانات واستقرار مالي ونوعية عمل ترضي آمالهم ومخططاتهم. وتقع هذه الوكالات في وسط الميزان الفاصل بين متطلبات الشركات البشرية والموظفين. وعلى الصعيد السويسري، لا تزال هذه الوكالات محافظة على ثقلها المهم في مجال العمل، نظراً إلى تدني معدل البطالة. ومع أن المطبات الهوائية التي تمر فيها الأسواق المالية «هزت» قليلاً سياسات التوظيف هنا، إلا أن سوق العمل الوطنية ووكالات التوظيف تملك سلة من المؤشرات الإيجابية التي تتباهى بها حكومة برن أمام العالم. على صعيد النشاطات التي تقودها وكالات التوظيف أوروبياً وسويسرياً، يرى الجميع أن ثمارها تتكلل بالنجاح أم الفشل وفق «بارومترات». إذ كلما تفاعلت هذه الوكالات أكثر مع كل القطاعات الإنتاجية، تمكنت من إرضاء الشركات التي تحتاج إلى طبقات من الموظفين والعمال الجدد. كما ينجح 95 في المئة من وكالات التوظيف السويسرية في تعقب أدنى إشارات الانتعاش الاقتصادي. وهذه حاسة سادسة تجمعها مع وكالات التصنيف الائتماني تحت سقف سلمي واحد. وبما أن التحديات في أسواق العمل حول العالم، ستدخل تغيرات جذرية، بدأ دور وكالات التوظيف يفرض ثقله على القطاعات المالية والتجارية والاقتصادية. وهناك أكثر من ألف شركة توظيف، تنتشر فروعها في الكانتونات السويسرية. وتبلغ عائدات هذه الشركات سنوياً نحو 8 بلايين فرنك سويسري، وهي لم تسجل خسائر. ونما القطاع عبر الجهة الثالثة (الوسطاء) في الشهور التسعة الأولى من السنة، في موازاة ارتفاع معاشات جميع الذين يُوظّفون عبر هذه الوكالات. علماً أن ساعات العمل الأسبوعية، التي تفرضها عقود عمل هذه الوكالات سجلت زيادة لافتة. يذكر أن أكثر من 60 في المئة من عقود العمل المبرمة عبر وكالات التوظيف موقتة. وعلى عكس الدائم منها، فإن المعاشات الشهرية أعلى لكن دوام العمل اليومي أطول. في هذه الحال، تعول الشركات على وكالات التوظيف لإنجاز مشاريع صغيرة ومتوسطة طيلة فترة زمنية لا تتخطى خمس سنوات حداً أقصى. وللبحث عن النخبة واستقطابها، تُطرح معاشات مغرية على العمال خصوصاً المتخرجين والمتخرجات تزيد أحياناً على 25 في المئة من سقف الدخل الشهري المعياري الذي يتراوح بين ثلاثة آلاف فرنك سويسري داخل القطاعات الصناعية والصيدلانية والبحثية، وخمسة آلاف فرنك خصوصاً في قطاعي الخدمات والتأمين. وبما أن الأرباح التي جنتها وكالات التوظيف أكثر من جيدة، فإن أصحابها يتحركون نحو تحسين آلية تلبية طلبات الشركات من موارد بشرية، بغربلة كفاءات المتقدمين إلى وظائف لديها، لاختيار الأفضل بينهم. ولوحظ إقبال العمال الأجانب، من تركيا والمغرب وألبانيا وكوسوفو، على الاستفادة من خدمات هذه الوكالات. فيما تتجه حكومة برن العام المقبل، إلى تطوير خدماتها الاجتماعية المتعلقة بالمواطنين السويسريين والأجانب، الذين يمرون في فترات لا تضمن لهم عملاً ومعاشاً شهرياً. وتُعتبر الجهود الحكومية، الرامية إلى إعادة العاطلين من العمل إلى السوق عبر إعادة تأهيلهم، أولوية فيديرالية. في الواقع، تسعى حكومة برن إلى دعم وكالات التوظيف الوطنية من دون حدود، خشية تأثرها بتداعيات أزمة المال الأوروبية. إذ أن وكالات التوظيف قادرة على إنعاش النظامين الاقتصادي والإنتاجي، بفضل خدماتها المعروضة على الشركات من جهة، وحماية كل مَن يبحث عن وظيفة من جهة أخرى. ولا يجب أن ننسى أيضاً، دور وكالات كهذه خلال مواكبة الشركات التي تمر في وضع مالي متعثر، وتعرض خدمات متخصصة من ضمنها النشاطات المتعلقة بالأبحاث، فضلاً عن غربلة الموظفين واختيارهم وإخضاعهم لدورة مجانية قبل استخدامهم. وباتت خدمات التوظيف «آوت بلايسمنت سيرفيس» (Outplacement Service) مرغوباً فيها جداً في سويسرا، على غرار ما يحصل في الدول الاسكندنافية. ولتفادي «طاعون» أزمة المال العالمية، لا بد من إصلاح أسواق العمل وعقوده، التي ينبغي إضافة الطابع السلس والفاعل عليها، لمحاربة القرارات البيروقراطية السخيفة وتسهيل وصول الطبقات الشبابية إلى أسواق العمل من دون توصيات!