ترى اللجان الفيديرالية السويسرية أن من غير المنطقي تركيز الزيادة المالية على الجيش وعلى الصناعة العسكرية التي تحتضن نحو خمسة آلاف موظف حصراً، إذ إن حضور سويسرا العالمي في المجال البحثي يحتاج إلى خطط إبداعية لتمويل الباحثين. وإلا، فإن الخسائر ستكون فادحة وقد تطاول القطاع المصرفي الذي يعتبر الخط الجوهري لتحريك الأموال، ببلايين الفرنكات شهرياً من سويسرا وإليها. يذكر أن سويسرا عززت قدراتها العسكرية، من طريق دعم قطاعات البحوث العلمية والاقتصادية والتأهيلية والتكنولوجية، بمزيد من الأموال. وتأتي هذه الإجراءات تزامناً مع إقرار البرلمان السويسري زيادة عدد أفراد الجيش من 80 ألفاً إلى مئة ألف جندي. وإضافة إلى شهرة القطاع المصرفي تحاول حكومة برن على رغم ارتياب بعض الخبراء في شأن نجاح مساعيها، إعطاء قطاعات البحوث حقوقها المالية كاملة. صحيح أن وضع الناتج المحلي الإجمالي يبقى أفضل من دول صناعية أخرى إذ يصل الفارق إلى ثلاثة في المئة لمصلحة سويسرا، لكن تخصيص الجرعة المالية الدقيقة لتقوية البحوث السويسرية في المجالات كافة، يعاني من ثغرات عدة. لذلك، واعتباراً من مطلع العام المقبل، ستقوم حكومة برن بدعم قطاع التعليم والبحوث التي تشمل المجال الاقتصادي، والأنشطة الإبداعية، بخمسة بلايين فرنك سويسري سنوياً. ويرى خبراء إحصاء محليون أن وضع سويسرا من حيث الأنشطة البحثية، بات مهدداً لا سيما بعد إحكام حكومة برن قبضتها على التمويل. وعلى الصعيد الدولي تتأخر سويسرا في مجال تخصيص الدعم المالي للأبحاث، فالسويد تنفق سنوياً ما لا يقل عن 20 بليون يورو لتفادي هجرة المهارة البحثية إلى الخارج، وتخصص فنلندا موارد مالية غير محدودة لدعم الأنشطة البحثية. ويعزو الخبراء تردي أوضاع تمويل الباحثين السويسريين إلى أن بعض الدول الصناعية ودولاً عدة في الاقتصادات الناشئة، عملت على تكثيف استثماراتها في الأعوام الأخيرة في كل القطاعات البحثية، ما ساعد في توطيد التنافسية التي كان لها أثر نفسي على الباحثين السويسريين، الذين يطلبون ولا يجدون تجاوباً. يذكر أن سويسرا ركزت في الأعوام الخمسة الأخيرة على تطوير قطاعي النقل وإنتاج الطاقة المتجددة. أما اليوم، ونظراً إلى تراجع الثقل البحثي السويسري على الصعيد العالمي، قررت اللجان المختصة رفع التمويل بمعدل 8 في المئة إلى 10 في المئة سنوياً. ولا يخفي المراقبون معاناة سويسرا نتيجة تقلص عدد أصحاب الاختصاصات العليا، التي تخولهم تبوؤ مكانة متقدمة في عالم البحوث، ما يعني أن نسبة المتخرجين ليست صلبة إنما في وضع جيد نسبياً، بفضل الطلاب الأجانب، لا سيما في كليات الهندسة والصحة. أما في كليات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، فإن عدد الطلاب مقبول لكنه يحتاج إلى عملية تنشيط من طريق تقديم سلة من التسهيلات الخاصة بالسكن والمساعدات المالية، إلى الجامعات الرسمية.