لم تجد هناء محمد، طريقة تعاقب بها معلمة الرياضيات في مدرستها، سوى وضع الغراء على الكرسي الذي تجلس عليه عادة، لتجد المعلمة نفسها في وضع «حرج»، استمر لمدة ساعة كاملة. وكان دافع العقاب لدى هناء، التي تعترف بأنها كانت «قائدة شلة» في المدرسة الثانوية، أن «المعلمة لم تقدر كفاءتي»، مبينةً «قبعت على الكرسي نفسه لمدة ثلاث سنوات على التوالي، بسبب مادة الرياضيات. ولم أجد وسيلة للانتقام من معلمة المادة سوى فعلي هذا». ولكل مدرسة قصص تحكي واقع الطلبة «المشاغبين»، الذين لا يشكلون حالة «استثنائية» تمر على الأساتذة كل عام. لكن قصصهم التي تُحكى تختلف عن واقع التعامل معها. فبعضها على قدر كبير من الطرافة، حتى أصبحت مصدراً مهماً لإلهام الروائيين والكتاب، الذين استخرجوا من شخصياتهم «أبطالاً» لمسرحيات وأفلام سينمائية. ويُعد عالم الفتيات «المشاغبات» الأكبر «صخباً» بالأحداث «الجريئة والأكثر إثارة». لكن تطور التكنولوجيا والمعلوماتية، ساهم في تطور حكاياتهن، التي بات من المؤكد أن جزءاً منها يدق «ناقوس الخطر». فرباب الحسن، الطالبة في جامعة الدمام الآن، حملت معها يوماً هاتفاً موبايلاً «خفية» لتصور حذاء معلمة الدين، حين كانت تدرس في إحدى المدارس الثانوية. وتقول: «حين علمتْ هي بالأمر، استدعت والدتي، التي أبلغت والدي، فقام بضربي، وتأنيبي على ما فعلت»، مضيفةً «يوم تخرجي من المدرسة، قمت بإعطاء المعلمة بطاقة، أكرر فيها أسفي على ما قمت به. ولكنني أخبرتها أنني ما زلت أحتفظ بصورة الحذاء، ليزيد غيضها مني».وأكلت معلمات، «علقات ساخنة»، من طالباتهن المشاغبات، وبخاصة اللواتي أسسَّن «شللاً» تضم مجموعة من «المشاغبات» ذوات الميول نفسها، على رغم الفارق الكبير بين شغب الفتيات في الماضي، مقارنة في الحاضر. إذ تتذكر معلمة متقاعدة منذ سنوات، ما تعتبرها «النماذج الأبرز» عن المشاغبات خلال سنوات عملها، «حملت إحدى الطالبات في حقيبتها «أحمر شفاه». وأخرى ارتدت حذاء ذا كعب مرتفع (قبقاب)، وأصبحن في زمنهن حديث المدينة، ونالتا شهرة واسعة، وضعتهن ضمن دائرة «المشاغبات». بيد أن وسائل التكنولوجيا التي تكاثرت خلال السنوات القليلة الماضية، أحدثت تغييراً «جذرياً» في أساليب «الشقاوة»، ما دفع تربويين لاستحداث مسمى «الشغب». وانتشرت في المدينة حكاية طالبة قامت بحمل «كاميرا ديجتال» والتقطت لزميلاتها صوراً، وكررت الأمر مع المعلمة في غفلة منها، فيما كانت تشرح الدرس على السبورة، وأحدث قيامها بنشر صورة المعلمة في موقع «فيسبوك»، استهجان المسؤولين. ولم تفلت من عقوبتي «التوبيخ والتشهير» بين أقرانها. وإذا كانت ذاكرة معلمة اليوم وطالبة الأمس سعاد المحسن، تختزن الكثير من القصص، عن مشاغباتها حين كانت لا تزال على مقاعد الدراسة، قبل نحو 15 سنة، فإنها تؤكد أن «مشاغبات الأمس، لا يقارنَّ إطلاقاً بما تفعله نظيراتهن اليوم، فأنا أعتبر نفسي على رغم كل مشاغبتي، طالبة مؤدبة جداً، حين أرى ما تفعله بعض طالباتي اليوم». وقامت سعاد حين كانت في الصف الأول الثانوي، ب «دحرجة سلة اليوسفي بين أدراج الصف، حتى لا تكتشف معلمتي، أنني أتناول هذه الفاكهة داخل الصف»، مضيفة «أرادت المعلمة أن تشمنا واحدة تلو الأخرى، لتكتشف موقع «اليوسف أفندي»، لكنني غلبتها». ولم تكتف بذلك، بل أنها أخفت نظارة المعلمة، «كي نرتاح من الحصة التي تليها، على رغم أن المعلمة تكاد لا ترى من دونها». وبين «المشاغبة» و«التفوق» منطقة فاصلة، كانت تجلس فيها ريم عبدالله، التي كانت من جهة تقود «شلة مشاغبات» في المدرسة المتوسطة التي كانت تدرس فيها، وعلى رغم ذلك تؤكد أنها كانت «متفوقة». وتقول: «أعترف أنني فتاة مشاغبة، وبذلت معلماتي محاولات بائسة لثنيي عن بعض التصرفات. إلا أنني كنت أتغلب عليهن جميعاً، إلا إنني كنت طالبة متفوقة في دراستي، بيد أنني لم أهتم في تفوقي الدراسي. وكنت أحضر إلى المدرسة من أجل الالتقاء بصديقاتي، وتكوين شلة خاصة بنا. وبالفعل نجحت في هذا الأمر أخيراً» وتتذكر ريم، التي تحمل اليوم ماجستيراً في التربية، «مرة قدمت لإحدى معلماتي صندوقاً مغلقاً، وطلبت منها فتحه في نهاية اليوم الدراسي». وأكملت حكايتها بضحكة يملؤها اللؤم «ملأتُ ذلك الصندوق بالصراصير، وعاقبتني في اليوم الثاني بالتشهير بي أمام جميع طالبات المدرسة». بين المشاغبة والتفوق وترى المعلمة المتقاعدة حصة الخلف، أن هناك «فارقاً كبيراً بين الموهوبين والمشاغبين»، داعية إلى «الاهتمام في الطلبة المشاغبين، لتحويل مسارهم إلى نشاط يتناسب وطاقاتهم». فيما دعت الخبيرة الهولندية ليان هوقفين، خلال زيارتها إلى الإدارة العامة للتربية والتعليم في المنطقة الشرقية، الأسبوع الماضي، إلى التركيز على برامج الموهوبين، ومناهجهم في مدارس المملكة، مؤكدة أن الطلبة الموهوبين يحتاجون إلى «برامج تحدي أقوى ما هي عليه الآن، في مدارس التعليم العام». وتؤكد دراسات حديثة، صدرت أخيراً، أن نحو 75 في المئة من الطلاب المشاغبين في المدارس هم من «الموهوبين»، وأنهم يمثلون «ما يتراوح بين 15 إلى 20 في المئة من إجمالي أعداد المتسربين من المدارس». فيما يرى تربويون أن اكتشاف الطالب أو الطالبة ممن يتمتعون بمواهب خاصة، يتم من خلال «البيت والمدرسة». وأشار التربويون، إلى سمات «خاصة» يتصف بها الطالب الموهوب، منها «التفوق في التحصيل الدراسي، الذي قد لا يكون المحك الرئيس، إضافة إلى المعلومات الكثيرة، وإظهار الاهتمام في مواضيع مختلفة، وكثرة الأسئلة»، لافتين إلى أن بعضهم «يميلون إلى العزلة». وأشاروا إلى أن هناك اختبارات خاصة في الطالب الموهوب، «تحدد نسبة الذكاء ومستوى التفكير، ليتم تحديد البرامج الإثرائية المناسبة لكل طالب». وتعترض خاتون الهاشمي (معلمة أحياء)، على نتائج الإحصائية، لافتة إلى أن هذه الدراسة «قد ترسخ في بعض جوانبها مفهوم «الشوارعية»، التي تؤكد أنه لا جدوى من التربية الحسنة، وأن تسريع نضج الجيل لا يكون إلا بالتربية السيئة»، ودعت إلى «إعادة تقييم الدراسة». وتشاطرها الرأي، حسناء الدوسري (مدرسة رياضيات) التي ترى أن هذه الدراسة، «أقيمت على المشاغبين فقط، الذين استطاعوا إثبات وجودهم بطرق غير صحيحة، وبالتالي يحظون باهتمام ورعاية من قبل المسؤولين. أما الطالب الهادئ المنضبط، فهو «مغمور»، و»مظلوم»، لأنه لا يملك الجرأة الكافية لإظهار موهبته وإثبات وجوده». وطالبت المسؤولين ب «التفاتة قليلة إلى أمثال هؤلاء، وحينها سترون العجب». في المقابل، تطالب فوزية أباحسين (معلمة كيمياء) ب «عدم إهمال الطلاب المشاغبين، عند اختيار الطلاب المرشحين لدخول كشف القدرات الخاص في الموهوبين»، لافته إلى أنه «قد يكون لديهم الموهبة والقدرات العالية، لكنها وُظفت في غير المسار الصحيح». وأردفت أنه «هنا يتجلى حينئذ دور معلم الموهوبين، في تحويل نتائج هذه القدرات، من سلبي إلى إيجابي». وتقول سهى البوعينين (مدرسة علوم): «إن كثيراً من الموهوبين لا يتم اكتشافهم، ولو وقف الأمر عند هذا الحد لهانت المسألة»، مضيفة أنه «يتم الكشف عن الموهوبين بطرق غير سليمة، ثم يتم تمييز الموهوبين، وعزلهم عن أقرانهم في الصف»، معتبرة هذا الأسلوب «خطأ، ويسبب إحباطاً لدى الموهوب الحقيقي، الذي لم يُكتشف. كما يسبب الغرور لدى من تم تصنيفه على أنه موهوب».