لا يرضى كبار المفكرين المعاصرين بأن يُقحموا ضمن مذاهب ومدارس، ولا أن يُحشروا ضمن تيارات وعقائد، وهم بالكاد يقبلون أن «ينخرطوا» في شبكات هي «شبكات المقاومة». لا يعني هذا أن الفكر لم يكن في ما مضى «يقوم ضد»، ويعلنها حرباً على اللافكر، وذلك وفق الأشكال المتنوعة التي اتخذها هذا اللافكر. إلا أن العلاقة بين هذا وذاك لم تكن دوماً علاقة مقاومة بقوة، ولم تكن لتستمر متوترة. وهذا ربما لأن اللافكر ذاته لم يكن ليبدي على الدوام مقاومة عنيدة لا نهاية لها، وربما يعود ذلك الى طبيعته والى الأشكال التي اتخذها، والميتافيزيقا التي كانت تغلفه. حينما كان الفكر يقوم أساساً ضد الأخطاء، فإن مرماه الأساس كان هو التحصين المنهجي، ورسم النهج الصحيح لتلافي الخطأ، ذلك الخطأ الذي لم ينظر اليه دوماً على أنه يتمتع بصلابة لا متناهية ووجود أنطولوجي. حتى مع ظهور الاتجاه النقدي، ربما لا نستطيع أن نتكلم عن مقاومة، وإنما عن محاكمة بمقتضاها يمثل العقل أمام محكمة النقد كي تعيّن له حدود الصلاحية، وتُمكنه من جواز الاستخدام المشروع. عندما سيتخذ النقد بعداً تاريخياً فاجتماعياً سنكون أقرب الى مفهوم النضال منا الى المقاومة، من حيث إن النضال يتبنّى عقيدة وينتمي الى عائلة فكرية. ما يبعد النضال عن المقاومة هو بالضبط ما يميز المنظومة العقائدية عن الشبكة. فالمقاومات شبكات، وليست عقائد ومواقف، وهي لا تتحدد بلونها ومضمونها وطبيعتها، بقدر ما تتعين بعلائقها. إنها تتحدد استراتيجياً وإجرائياً، فهي مثل دروب هايدغر التى ترتسم في الغابات بفعل السير ومن جرائه، وليست هي ما يهديه ويخطط له ويخط له مساراته. وبما أن نقاط المقاومة لا وجود لها إلا في حقل استراتيجي لعلائق القوى، فالمقاومة حاضرة في كل نقطة من الشبكة، ولا وجود لمكان وحيد متميز هو مكان الرفض. المقاومة لا «تقف» يساراً فتعلنها حرباً ضد كل يمين. إنها لا تتموضع جهة الحقيقة فتعلنها حرباً على الخطأ، ولا جهة الحق فتعلنها حرباً على الباطل، ولا جهة الخير فتعلنها حرباً على الشر... على هذا النحو، فإن الانخراط في الشبكات ليس رفضاً للمذهبية فحسب، ولا تمرداً ضد الانضواء العقائدي، وإنما هو مقاومة لميتافيزيقا اليمين واليسار، وتيولوجيا الخير والشر. * كاتب مغربي