ما بين تصريحين للشاعر محمود درويش الأول تساءل «كم سنة ستحتاج الانتفاضة لتنظيف شعرنا من الحجارة» والآخر تمثل بقول الشاعر درويش «لا أعتقد ان للشعر دوراً جلياً في النضال الوطني» يقف «أدب المقاومة» في منطقة جديدة تطالبه بايقاد شعلة الكلمة المقاومة . ولأن التاريخ البشري لم يحمل لنا سطراً واحداً عن شعوب باركت الاحتلال ورحبت بمغتصبي الأرض والحق فإن لأدب المقاومة الدور الطليعي دوماً من عصر إلى عصر ومن أمة إلى أمة مع الاختلاف بالطبع بطريقة الأدوات والمفردات . عن ادب المقاومة الذي لم يكن في أي الأزمنة مجرد ردة فعل آنية وانما عقيدة آمنت بها الشعوب كحق من حقوقها، وكصرخة تؤكد على الحق كانت هذه آراء مجموعة من الأدباء والمثقفين لتؤكد على حق الانسان بالحرية والتعبير والعيش الآمن، وعلى دور الكلمة الذي أصبح يختفي تدريجياً عن أرض الواقع رغم ان الراهن العربي يحتاج إلى لغة المقاومة التي تحمل روح العصرنة : اسماعيل شموط: شعبنا سيئ الحظ والطالع التشكيلي اسماعيل شموط تساءل:عن أيّ انتفاضة نحكي، فهذا الشعب الفلسطيني البطل، سيّئ الحظ، ثار وانتفض منذ بدء تنفيذ المؤامرة الاستعمارية الصهيونية ضد فلسطين وشعبها قبل نحو مئة عام. ثوراته وانتفاضاته المتتالية، من أجل الحفاظ على هذا الوطن الصغير الكبير الجميل، منذ بِدء استعماره بعد الحرب العالمية الأولى وإلى يومنا هذا، وهو في حالة استنفار وعطاء مستمر .هل ننسى انتفاضاته في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم. وأضاف: من ينسى إضرابه الشهير والذي امتد شهورا في فلسطين، أواسط الثلاثينيات، ضد المستعمر البريطاني، استنكارا وتنديدا بدعمه السافر للمخطط الصهيوني .لكن شعبنا هذا هو شعب سيّئ الحظ والطالع فعلا ، فهو لم يحظ قط بقيادات حكيمة على مدى التاريخ الحديث، حيث أوصلته قياداته، لقصر نظرها ولجبروت العدو الرهيب، إلى اغراقه في نكبات ومآسِ لا يمكن نسيانها، وهو مستمر، ولم تعرف شعوب الدنيا مثيلا له . ونوه : بعد سقوط «الاتحاد السوفيتي» انشغلت الشعوب والأنظمة العربية، عن «القضية المركزية» انشغلوا بأهداف صغيرة ونسينا كلنا نشيدنا «بلاد العرب أوطاني» واستبدلناه بأناشيد ذات صبغة مغالية في الإقليمية.لكنه شعب بطل، انحنى شرفاء العالم، وننحني نحن، أبناء هذا الشعب العظيم من حيث نعيش، ننحني كلنا تحية واحتراما وإجلالاً له ولتضحياته العظيمة ولصموده العنيد بشرف وإباء ضدّ غطرسة هذا العدوّ الصهيوني وجبروته وضدّ داعمه الرئيسيّ «أمبراطورية» الولاياتالمتحدةالأمريكية، «ولية» أمر هذا الكوكب الذي نعيش على سطحه في هذا الزمان الرديء . وزاد : تذكروا رجاءً أنه في السبعينيات أشعلت الفتن بين المغرب والجزائر والصحراء وما حولها، وعزلت مصر عن محيطها العربي، واشتعلت الحروب في لبنان، لبنانية فلسطينية ولبنانية لبنانية والتي جرت إليها سورية بشكل أو بآخر، وغزا عراق صدام الكويت، وانقسم العرب أكثر فأكثر، وبدأت قصة «أسلحة الدمار الشامل» التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن . وظلت عمليات «الإبادة» للبشر والشجر والحجر في فلسطين مستمرة .. ثم هبطت علينا فجأة قصة «دارفور» السودان ..... ومن بعد فاجأنا القذافي بكرمه المفاجئ للتعويض، ليس فقط عن ضحايا «لوكربي» وغيرها، بل أيضا عن «المساكين» اليهود الذين «انتزعت بيوتهم منهم في ليبيا» .... ولا ننسى قصص اختراق حرمة الدساتير وتغيير بعض بنودها من أجل توريث الحكم والسلطة للأبناء بعد الآباء الذين «نشروا العلم والأخلاق وأنعشوا الاقتصاد وساد في أزمانهم الأمن والسلام» يا سلام. وقال : ألم يحن الوقت بعد كي ينتفض عقلاء وحكماء ومثقفو العرب، والفلسطينيون بشكل خاص، كي يجتمعوا لمراجعة المراحل السابقة وتقييمها والتخطيط لمستقبل آمن حرّ لهذه الشعوب وهذه الأمة؟ إبراهيم جابر إبراهيم : أدب المقاومة يرسخ هويتنا في المعمار الآني القاص والكاتب إبراهيم جابر إبراهيم يرى أن أدب المقاومة أو القصيدة ليس أدب شعارات قائلاً : ثمة لبس حادث في تعريف «المقاومة»، وتبعاً لذلك يحدث لبس آخر بالضرورة في تعريف أدب المقاومة، أعرف ان المقصود بالسؤال هو ذلك الاتجاه الذي ساد في الستينيات والسبعينيات وحتى منتصف الثمانينات وتجلى في أجناس أدبية مختلفة، والذي صار ينظر له الآن من باب الطرافة أو الأسى ذلك أنه كان تعبيراً عن قيم مجتمعية ونضالية سادت، وعن مفاهيم ورؤى للتغير، لم تعد رائجة في الزمان الحالي. موضحاً جابر : ان غياب أو تغييب تلك القيم والمفاهيم أو الحجر على تلك الرؤى يجب ان يبدد اللبس الحادث في تعريف المقاومة، وهو ما أدى إليه حصرها بأدوات محددة وصياغات تقليدية . وأكد : ان تغييب، وتكبيل الاندفاعات الطليعية والاستراتيجيات المقاومة ينبغي أن لا يلجم ذهاب الناس إلى مشروعهم التحرري، وأن لا يفقدهم أدوات المقاومة المتعددة، والكثيرة التي ربما لا تحقق نجاحاً باهراً ومباشراً وآنياً، لكنها أقل شأناً من قطرات الماء التي تفتُ في الصخر وتعيد تشكيله، مؤكداً ان المقاومة ليست فعلاً عسكرياً فحسب، وليست في المواجهة البدائية مع «الآخر» فقط، ولكنها في المحاججة الفكرية والثقافية والحضارية، وفي نقيض الآخر من خلال ترسيخ هويتنا في المعمار الآني، موضحاً بأن أدب المقاومة ليس أيضاً أدب شعارات والقصيدة التي تتوجه مباشرة بالتحريض والتوعية، لأن أي أدب رفيع المستوى هو بالضرورة جزء من آلية الدفاع التي تحمي المجتمع وتحصن الأمة، وأي مبدع حقيقي هو مقاوم بالضرورة ومن تلقاء الفعل الثقافي، فالكتاب وأصحاب الرأي والفكر والفن هم دائماً أول من يقاوم ويدفع الثمن نيابة عن الأمة ودفاعاً عن مشروعها . وأشار إلى المباشرة ليست بالضرورة شرطاً للتصنيف كأدب مقاوم والغنائية ليست علامة وحيدة للشعر الوطني، وأذكر قول الشاعر محمود درويش حين تساءل في ذروة الكتابة عن الانتفاضة قائلاً : «كم سنة ستحتاج الانتفاضة لتنظيف شعرنا من الحجارة». يوسف عبد العزيز: كل شعر في جوهره «مقاومة». الشاعر يوسف عبد العزيز طالب بإعادة الاعتبار لقصيدة المقاومة فقال : لقد آن الآوان لإعادة الاعتبار لقصيدة المقاومة، باعتبار كل شعر ننجزه هو في جوهره شعر مقاومة، وفي هذا المجال علينا أن نوسع مفهوم المقاومة في الشعر والكتابة عموماً ليشمل ليس فقط الموضوع المحدد بمقاومة المحتل، وإنما كل موضوع في الحياة، هذا بالاضافة إلى النواحي الجمالية أيضاً، وطالب عبد العزيز بأن لا نقلل من أهمية ما يمكن أن يكتب من شعر حقيقي يتناول الحالة الفلسطينية، مبدياً استغرابه من كل تلك الشعرية، موضحاً ان لا أحد في الدنيا يستطيع الزعم ان هذا الموضوع شعري، وان هذا الموضوع غير شعري، إذا كان هناك خلل فيكون في النص المنجز، وفي صاحبه الذي عجز عن كتابته كتابة حقيقية . الدادائيون في عشرينيات القرن الماضي استخدموا أحياناً «القذورات» في لوحاتهم، وأنجزوا أعمالاً باهرة كانت فاتحة لانبثاق الحركة السريالية فيما بعد . واستهجن عبد العزيز أن تكون الكتابة عن المقاهي مثلاً أمراً شعرياً، والكتابة عن فلسطين أمراً غير شعري ! والعكس صحيح، هناك عملية تغريب كاملة يعيشها الانسان العربي في كل نواحي الحياة، وأشار: من الأمور الملفتة للنظر تلك الانقلابات المرعبة التي يشهدها الشأن الثقافي والابداعي، بحيث بات الجهد منصباً في السنوات الماضية على تقليد الكتابة الغربية والسير في فلكها . وقال: إذن لنكتب شعراً حقيقياً في كل ما نريد الكتابة بشأنه، لنكتب عن الجسد والجنون، عن الفقر والاحباط، عن المسرات والهزائم، وعن فلسطين العظيمة القائمة في بؤرة الشعر، ليس باعتبارها جغرافيا فقط، ولكن لاعتبارها أرضاً حلمية وأختاً حنونة للقصيدة. سعد الدين شاهين: العالم في ظل العولمة أصيب بعمى الألوان من جانبه قال الشاعر سعد الدين شاهين: في الذكرى الخامسة للانتفاضة الثانية لا يسع المرء الاّ ان يقف خجلاً من نفسه ومما حوله لما يلف الأمة من عجز وخذلان، والتشبث فخراً بكل مقاوم يقارع آلة القمع والاحتلال عن أرض فلسطين والعراق، وأشدد على أن فلسطين هي جغرافيا وتاريخ في الوجدان العربي والانساني مهما ازدادت أساليب القمع وهدم البيوت على رؤوس أصحابها بالطائرات والصواريخ وستبقي عنواناً لقوافل الأبطال الذين يسيرون اليها باتجاه أما التحرير أو الاستشهاد . وحول السؤال هل اختلفت مفاهيم المقاومة في ظل العولمة قال شاهين: المقاومة كمفهوم بوجه عام هي المقاومة سواء في ظل العولمة أو قبلها لكن الذي تغير هو أسلوب المواجهة، فكلما ضاقت الدائرة واشتد الحصار على الشعوب كلما اتسعت أساليب مقاومتها وازدادت عنفاً، فما حصل في ظل العولمة هو إصابة العالم بعمى الألوان فلم يعد يميز بين مقاومة الشعوب من أجل التحرر وطرد المحتلين كما هو الحال في فلسطين والعراق وبين ما يسمونه الارهاب فأحلّوا لأنفسهم ارهاب الدولة بقمع حركات المقاومة والتحرر بشتى أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة وسمحوا لصواريخ طائراتهم ان تتجول بحرية بين أجساد الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الآمنيين ظناً منهم ان ذلك يوقف حركات المقاومة ويعطل قيم النضال عند الشعوب ولكن الذي يحدث عكس ذلك إذ تتسع أساليب المقاومة وتشتد عنفاً وصرامة لتسير بخط واحد واتجاه واحد دون الاهتمام بالعودة نحو الاستشهاد فكانت العمليات الاستشهادية التي ترد الصاع صاعين، ولا أحد عندها يستطيع ان يوقف شخصاً يطلب الشهادة بثمن من حياة المحتلين والغزاة . وأضاف شاهين: أما على صعيد الادب وهل أفرزت الانتفاضة الفلسطينية الثانية شكلاً جديداً لأدب المقاومة، فالجواب للأسف لا، بل أصبح هناك تناسب عكس بين حالة المقاومة وقوتها وبين ضعف الحالة الادبية المحيطة وبالتحديد حالة الأدب الفلسطيني المقاوم الخجل، إذ تقلص مفعول الكلمة والقصيدة والقصة والرواية والشعر كثيراً أمام الفعل، وذلك لتخلي الأديب العربي عن صدقه المعهود وجرأته وكأنه أصبح من العيب ان يكتب للمقاومة...؟! وفي سبيلها وبذلك حتى الذين يكتبون الأدب في القضية وللقضية تقلصوا واتجهوا نحو متطلبات السوق الذي لا يؤمن لمثل هذا النوع من الأدب الراحة والسفر والاقامة في الفنادق الفخمة والجوائز التقديرية والمالية بل والترهيب في شتى البلاد كما يؤمنه الأدب الهلامي المطلوب، فقد أصبح الأدب كائناً وصفياً هلامياً يتحلى بالمكياج والاصباغ المبهرة التي لا تحرك في النفس ساكناً وان حركت فمفعولها لا يتجاوز المتر المربع الواحد. ونوه شاهين: لقد تخلى الأدب الفلسطيني عن جوهره الذي بدأ صادقاً فكنا نستمع إلى صدى القصيدة وهي تخرج من السجون كالقذائف فتحرك الآلاف، ويحفظها الناس لأنها كانت صادقة واضحة المفهوم: «يا ظلام السجن خيم اننا نهوى الظلاما»، «أكتب على لهب القصيد شكوى العبيد إلى العبيد»، «سأحمل روحي على كفي»، هذه نماذج بسيطة من الأدب الفلسطيني المقاوم وغيرها كثير أما الآن فأنا شخصياً لا أثق في الكثير مما يقال ومما أقرأ من أجناس أدبية مختلفة مقزمة، وملتحفة برداء العجز وعدم الوضوح لتصبح كائناً وصفياً يضع كماً من المساحيق ليتنكر خلفها ويتجمل بها . يوسف ضمرة: قصيدة المقاومة لا تعني مجرد رفع الشعارات والصوت المرتفع القاص يوسف ضمرة تحدث عن غياب قصيدة المقاومة بقوله: غياب قصيدة المقاومة له أكثر من سبب، في طليعة هذه الأسباب ان مفهوم المقاومة في الأدب قد اختلف عند الشعراء وافترقوا بذلك عن الجيل السابق أو ما يسمى بجيل الرواد، والسبب الثاني هو ما حدث من انكسارات للاحلام والآمال الكبيرة التي كان الشعراء يؤمنون بتحقيقها، موضحاً أن السبب الأول بين ان قصيدة المقاومة لا تعني مجرد رفع الشعارات والصوت المرتفع والصراخ والتهديد للعدو والتبشير بمستقبل ناصع قادم، لقد أتسع مفهوم أدب المقاومة في الشعر العربي ولم يعد حكراً على القصيدة التي تتحدث عن الكفاح المسلح والتصدي للعدو مباشرة، ومجابهة قوى الظلم، مؤكداً أن مفهوم المقاومة أصبح يتعدى ذلك ليصل إلى زيادة الوعي الجمالي والمعرفي عند المتلقي وهذا لا يتم إلاّ من خلال انتاج نصوص سوية فنية عالية وسمو جمالي يؤدي إلى نقاء النفس وقدرتها على فهم ما يجري حولها بوضوح، ولذلك فإن القصيدة الجيدة فنياً هي بالضرورة قصيدة مقاومة والقصيدة الرديئة فنياً مهما يكن مضمونها سامياً هي ليست قصيدة مقاومة. ويوضح ضمرة ان السبب الثاني هو الذي ساهم بشكل كبير في وصول الشعراء إلى المفهوم الجديد للمقاومة فقد كان هنالك يقين بأن النصر حتمي وأنه وشيك وأن كافة أشكال التغيير التي يدعو إليها الشعراء في كافة قصائدهم كانت قابلة للتحقيق في أية لحظة، ولذلك فقد اعتبروا أنفسهم حينها مشاركين في عملية التغيير الشامل. وزاد ضمرة: لقد جاءت الانكسارات لتعطي الشعراء فرصة للتأمل ومراجعة الذات التي أدت في نهاية المطاف إلى سيادة المفهوم الجديد للمقاومة، وإلا فما معنى أن لا تظهر قصيدة المقاومة التقليدية في فلسطين حالياً، بينما فلسطين أرقى أشكال المقاومة الحقيقية على الأرض للاحتلال . هشام غصيب: علينا كعرب ان نحدد تصورنا للعولمة من طرفه قال الدكتور هشام غصيب: ينبغي علينا أولاً ان نحدد تصورنا للعولمة حتى يتسنى لنا أن نتكلم عن الظاهرات المرتبطة بالعلاقة معها، وأضاف غصيب: ولي تصور معين للعولمة يتمثل باعتبارها أدق مرحلة من مراحل تطور الأمبريالية كما عرفها لينين في مطلع القرن العشرين، وباعتبارها كذلك فإنها توّلد الحاجة باستمرار للمقاومة الشعبية سواء المقاومة المسلحة في حال الاحتلال والمقاومة الشعبية الديمقراطية في ظروف الاحتلال غير المباشر كما هو الحال في «فنزويلا» والغريب بالأمر ان العولمة التي تمثل «أممية» رأس المال لم يجابهها حركة عالمية منظمة تمثل أممية الكادحين فنحن بازاء قوة عالمية تناوشها مقاومات متفرقة هنا وهناك، والتحدي الكبير الذي يجابه الشعوب هو توحيد جهودها في مجابهة الغول الرأسمالي الأمبريالي لكننا نرى مقاومة فلسطينية باسلة معزولة ومقاومة عراقية جبارة لكن معزولة أيضاً . ولا نرى محاولة جدية لفك العزلة الاّ في أميركا اللاتينية التي أخذت حكوماتها وشعوبها تتضامن في مجابهة الغول الأمبريالي الأميركي وحبذا لو تعلمنا نحن العرب من تجربة أميركا اللاتينية الثرية، انه من المخجل حقاً ترك الفلسطينيين والعراقيين وحدهم يجابهون عدواً أبادياً، يريد تفكيك الشعبيين الفلسطيني والعراقي وتدميرهما، لكن مع ذلك فإنني أشعر بنوع من التفاؤل في أن الشعوب ستجد طريقها إلى التضامن الفعال في مجابهة هذه الرأسمالية الهرمة الخرفة. المتوكل طه: الأدب الفلسطيني في عقده الأخير مرّ في انتكاسه رئيس بيت الشعر الفلسطيني المتوكل طه قال: أولاً هذه الانتفاضة ليست الثانية، فثمة انتفاضات صغيرة عبقرية شكلت بمجملها نظرية التحدي الفلسطيني لسياسات الالغاء الاستراتيجية الاحتلالية، وأعتقد ان كل انتفاضة تختلف عن غيرها من حيث الأسباب الثانوية والأهداف الآنية والوسائل، وقد كان الأدب والثقافة الجذر الذي نهضت عليه هذه الانتفاضات منذ عقود طويلة حيث كان هذا الأدب يبشر بالانتفاضات، ويواكبها ويتغنى بها ويؤرخها ويكون سلاحاً في يدها، غير ان هذه الانتفاضة اختلفت اختلافاً عميقاً عن سابقاتها والسبب ان هذه الانتفاضة تفجرت بعد زلزال انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج وعقد صلح مع الاحتلال بمعنى ان هذه الانتفاضة بعد ان عملت هذه الزلازل على كسر المتحكم في خطابنا الوطني والثقافي أي ان العدو الذي كان يراد له الفناء أصبح شريكاً ومن المعقول التعايش معه، هذا أولاً، أما ثانياً فلم تستطع هذه الانتفاضة ان تحيد السلام الاسرائيلي الثقيل مثلما فعلت الانتفاضة الكبرى السابقة، وذلك بسبب عسكرة هذه الانتفاضة وحدوثها في ظل تحكم قطب واحد على هذا الكوكب ينحاز كلياً للطرف النقيض، كما وأصبح النموذج والمثال الذي كان يتغنى به الشعر أصبح عادياً مبذولاً دون هالات بمعنى كان ثمة فدائي وطفل الحجارة والصلابة العقائدية في الصراع مع النقيض ووضوح المشهد بين طرفين يدور بينهما تطاحن عنيف، الأمر الذي أدى إلى التباس المشهد وفتور سخونة النضال . وأضاف طه: لقد ولدت موجة جديدة من داخل الشعر الفلسطيني بعد أوسلو تخلت تماماَ عن الثوابت والخطاب القديم والقصيدة المقاومة واتجهت هذه الموجة إلى الذاتي والهامشي والتجريب، فيما صمت شعراء كثيرون بعد أوسلو من هول الصدمة، واتجه نفر قليل بائس إلى التطبيع مما جعل أدب هذه الانتفاضة يحتاج إلى زمن حتى يستعيد روحه وأدواته ومضامينه القديمة، وهذا لا يعني ان الأدب الفلسطيني تخلى تماماً عن خيوطه الذهبية السابقة بقدر ما أصابها شيء من الارتخاء والصدأ والبرود . وزاد طه: كان على هذا الأدب أن يواكب هذه الانتفاضة كما فعل الأدب بالانتفاضة السابقة، وكان عليه ان يفيد كثيراً من ثورة الاتصالات «الفضائيات - الانترنت» الاّ ان طوفان العولمة بشقيها التقني والخطابي قد رد الأدب كثيراً إلى الخلف وجعله في حالة اندحار وانحسار ولم تستطع بعض القصائد التي ظلت محافظة على تربتها الوطنية ونقائها ان تشكل نتوءاً أو ظاهرة كما فعلت في الانتفاضة السابقة . وقال: اضافة إلى كل ذلك فإن الأدب يعبر عن حالة المجتمع ككل، وبالتالي فإن حالة الردة والتراجع والجزر والتي يعيشها المجتمع العربي والفلسطيني جزء منه قد طبعت هذا الأدب بطابعها ما يجعلني أقول إن الأدب الفلسطيني في عقده الأخير قد مرّ في انتكاسة يحتاج بعدها إلى منصة جديدة وأرض أكثر رسوخاً لانطلاقة أكثر قوة وامتلاءً وهذا ما ينبغي ان يهجس به الجميع . أحمد ماضي : المقاومة ليست ارهاباً من طرفه قال رئيس رابطة الكتاب الدكتور أحمد ماضي: عند نهاية هذا الشهر تكون قد مرت خمسة أعوام على الانتفاضة، والانتفاضة شكل من أشكال المقاومة وفي نظري ان الشعب المحتل يتمتع بحق مطلق بالتصدي للاحتلال وهذا الحق المطلق يسمح له باتباع شتى الأساليب واستخدام شتى الأدوات من أجل تحرره من نير الاحتلال وبراثن العدوان الغاشم عليه . وأكد ماضي: ونلحظ ان الشعب الفلسطيني الشقيق يقاوم بضراوة رغم الأسلحة المتطورة جداً التي يستعملها العدو الصهيوني، وفي اعتقادي أن أي شكل من أشكال المقاومة يتعين أن يتأسس بثقافة يستند اليها وهذه الثقافة هي التي نسميها، وندعوها ثقافة المقاومة، ويتعين على الشعوب العربية، وشعوب الدنيا قاطبة ان تمد يد المساعدة وأن تؤكد ان هذه المقاومة ليست ارهاباً ذلك لأنه شتان بين الارهاب والمقاومة، فالشعب الفلسطيني مضطهد ومقموع، وأرضه التاريخية محتلة ويتصدى ببطولة لهذا الاحتلال الغاشم الذي يجد سنداً مطلقاً يتمثل بالامبريالية الاميركية . وأشار ماضي: ان عدو الشعب الفلسطيني لا يتمثل بالصهيونية وحسب بل يتمثل أيضاً بالامبريالية العالمية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الاميركية، وأرى ان هذه الممارسة النضالية تسهم في انتاج أدب يمكن ان ينعت أنه أدب المقاومة والتصدي، وإذا كان في السابق قبل عقود قد ظهر شعراء المقاومة فإن الممارسة النضالية للشعب الفلسطيني قد أنتجت أدباً بشتى أجناسه يتصف بأنه أدب مقاومة . واستند ماضي: كان في الماضي الشعر شعر مقاومة والآن امتد ذلك ليشمل أجناس الادب الأخرى من رواية وقصة ومسرحية إذ أصبحنا ازاء أدب شامل للمقاومة، وهذا الأدب يتعزز مع مضي الأيام ومع تصلب المقاومة على نحو يعبر عن حقبة تاريخية تعد في نظري حقبة دقيقة للغاية، وفي نهاية المطاف لن يتحرر شعبنا الفلسطيني الشقيق الاّ بالمضي قدماً مقاوماً أشد المقاومة من أجل تحرير أرضه التاريخية وتحقيق النصر على المحتل ولن يتوقف هذا النضال المقاوم الاّ بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الشعب والأرض في آن، وتكون القدس عاصمة لهذه الدولة، فقط بتحقيق ذلك يمكن ان تتوقف المقاومة . محمد مقدادي: علينا أن نعزز ثقافة المقاومة من جانبه قال الشاعر والباحث الدكتور محمد مقدادي رئيس رابطة الكتاب الاردنيين فرع إربد: لا يمكن النظر إلى «المقاومة» الاّ باعتبارها فعلاً يكتسب شرعيته من بطلان شرعية الاحتلال أيّاً كانت مبرراته ودوافعه، فهو فعل عدواني يصادر حق الناس في الحياة الكريمة على أرضهم، والأدب المقاوم هو فعل من نوع آخر مهمته التأسيس للمقاومة والسير بها ومعها تصدياً للظلم، ومقارعة للطغيان وصولاً إلى التعبئة الشعبية لكامل القدرات المادية والنفسية وتوظيفها يتفق وتطلعات الشعوب في التحرر والانعتاق . وأضاف مقدادي :وحينما نطل على «العولمة» وما ترتب على سياساتها من عدوان على المستضعفين في الأرض بكامل أطرافها ومصادرة لأبسط أشكال الحريات التي فطر عليها هذا الكائن البشري ندرك أن مدخلات هذه العولمة قد أفرزت فعلاً مغايراً واتخذت شكلاً جديداً وفريداً من أشكال المقاومة لهذا الابتزاز والتعسف ولمجمل التصورات الاستعلائية التي تمارسها قوى باغية انطلاقاً من مركبات النقص التي تحكم نظرتها للشعوب التي كان الاستعمار سبباً مباشراً في تخلفها وأميتها وتفاقم أزماتها الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء. واستطرد: ولعل من أهم «منافع» العولمة أنها فتحت عيوناً ظلت مغمضة، وآذاناً أصابها الصمم إلى زمن بعيد، على الفواجع التي يحملها تيارها الجارف لقيم الشعوب، وزلزالها الناسف لثوابت الأمم، ومقدساتها مما أشعل فتيل المقاومة وعمل على استنهاض الطاقات الكامنة بقصد التصدي لهذا الخراب الشامل الذي يطيح بمنجزات الماضي وتطلعات الحاضر لبناء المستقبل الذي تتمناه الأجيال . وأكد مقدادي: أما فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، فقد برهنت «العولمة» على أن هذه المقاومة المتصدية للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، انما تتصدى في واقع الامر للمشروع الامبريالي العالمي وفقاً لرؤيته «القديمة - الجديدة» لما يجب أن يكون عليه العالم المحكوم بالسياسات المولدة للعنف والمستهترة بمصائر الشعوب ومقدراتها . وأضاف : لقد أسترخى البعض في مرحلة مبكرة وهو يستمع للشعارات الزائفة التي يطلقها الاعلام الموجه حول حقوق الانسان والديمقراطية والعدالة في المجتمعات المتخلفة، حيث استطاع هذا الإعلام توظيف العديد من الأقلام وأسهم في تسميم العقول التي باتت تدافع عن العولمة بل وترحب بقدومها قبل أن يدرك الناس أن العولمة التي لا تحتكم للتاريخ ولا تنصاع لثوابته هي قوة عمياء، لن تقود سفينة الكون الا إلى الدرك الأسفل من الجحيم فهي لا ترى في الشعوب إلاّ عبيداً مجندين لخدمة مصالحها والاستسلام لنفوذها وسطوة جبروتها الذي يرشح كبراً وكراهية مما ولّد استياء عاماً بلغ حد تنظيم جبهات مضادة لأمواج التخريب التي تجتاح العالم دون احترام لخصوصيات الشعوب ومنجزاتها الانسانية على مدى تاريخ البشرية الطويل. ونوه مقدادي: وها هي المقاومة تتعاظم في غير مكان من العالم، وها هي الأقلام التي ما أصابها الدنس تتصدى بما امتلكت وتعزز ثقافة المقاومة بمختلف مستوياتها إلى أن يتحقق استقلال الشعوب، وتتأكد القيمة الانسانية لمختلف أشكال التوليفات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تخرج الانسان من بحار الظلمة إلى مرافئ الضوء والفضيلة . محمد عبيد الله: الكلمة تحتاج دوماً إلى فعل مصاحب الشاعر محمد عبيد الله يرى أن أدب المقاومة كان عنواناً لمرحلة ناهضة تجاه المستقبل فقد صعدت قصيدة المقاومة مع صعود الاحلام وكادت تختفي من تيارات الشعرية العربية الراهنة . موضحاً ان هذا الغياب يعود لجملة أسباب منها: تراكم الهزائم والانكسارات، حيث ان الكلمة تحتاج دوماً إلى فعل مصاحب أو ملاحق لها، لكن الكلمة المقاومة أو شعر المقاومة الذي كان يقول كل شيء لم يقابل بأفعال أو بوقائع تؤكد حدوثه وأحلامه فحدثت ردة فعل ضد الشعر المقاوم واتهم بالسقوط بالشعارات كنوع من تبرير عدم الاستمرار. وأهمية استمرارية قصيدة المقاومة انها تحفظ المبادىء الكبرى لصمود منتظر وعليها يمكن ان تتربى الأجيال الجديدة التي ولدت في حقبة الهزيمة والانتصار وقال: نحن ننعي غيابها لكننا مبدعين وشعراء جدد نعيد إلى الكلمة توهجها ويبثون فيها روح التألق والحياة . محمد القواسمة: الأدب الفلسطيني لم يكن على مستوى الحدث الناقد والأديب محمد القواسمة قال : لم يكن الأدب الفلسطيني الذي أنتج في فترة الانتفاضة الثانية على مستوى الحدث بل نستطيع القول إنه شكّل في غير قليل من الانتاجات الإبداعية هروباً من الواقع إلى حقول الفلسفة وعوالم التصوف سعياً وراء التجريب والحداثة . وربما يعود هذا إلى انكسار الحلم القومي تحت وطأة الاحتلالين الاميركي والاسرائيلي للعراق وفلسطين . ودلل القواسمة على رأيه : يحضرني في هذا السياق العمل الاخير الذي نهض به المرحوم عزت القمحاوي في روايته «الحلاج يأتي في الليل» التي نشرت بعد رحيله ففي هذه الرواية يصور القلق الانساني. ويبدو ان تجربة الحلاج قد أثرت أيضاً في شعر محمود درويش، وبخاصة في ديوانه ما قبل الأخير «لا تعتذر عما فعلت» فقد مارس فيه تجربة فلسفية عميقة، يعود فيها إلى البئر الأولى إلى بيت أمه يسائل ذاته . وأضاف القواسمة كما يلجأ الشاعر غسان زقطان في ديوانه الأخير «سيرة بالفحم» إلى ذكريات طفولته في قريته زكريا، ويأتي الحديث عن الواقع اليومي الذي يعيشه الناس من خلال هذه التجربة، كما يمكن القول عن مجموعة محمود شقير الأخيرة «صورة شاكيرا»، انها قصص لا تندغم في حركة الناس انها كما يقول يوسف ضمرة «لا تتعرض للمقاومة ولا تعارضها»، بل هي تسبح في فضاء التجريب ... همها الأول . وخلص القواسمة إلى ان الأدب الفلسطيني في الانتفاضة الأخيرة لم يكن في خط المواجهة، ولم يكن في قلوب الناس كالحجر في يد الطفل، لقد اختفى عن الواقع ليعيش في الماضي أو يغرق في الميتافيزيقا، وهذا ما يظهره بوضوح محمود درويش في مقابلة أجرتها معه صحيفة لومانيتيه إذ يقول: «لا أعتقد ان للشعر دوراً جلياً في النضال الوطني». رشاد أبو شاور: حالة التردي السياسية تجد صداها في الثقافة العربية الروائي رشاد أبو شاور قال: الشعب الفلسطيني يقاتل وحده كالعادة وهو يقاتل بجزء من طاقته لأن الشعب الفلسطيني في المنافي محروم من الانخراط في المعركة، فما بالك بحال الجماهير العربية المطحونة بالظلم من كل نوع . وأضاف : المثقفون والمبدعون العرب جزء كبير منهم معنيون بمناقشة قصيدة النثر وما بعد الحداثة ولذلك هم يستحقون المكانة التي هم فيها من الدونية والاهمال، وانعدام الحضور، هناك شعراء ومبدعون عرب ينخرطون في معركة وجود أمتهم ويدافعون عن انسانهم العربي وينتمون لزمان فلسطين، لكن حالة التردي السياسية العربية تجد صداها في الثقافة العربية السائدة في فضائيات التفاهة والتعري والفن الهابط ولكن هذا لا يعفي أبداً الكاتب والشاعر العربي الذي وللأسف حاله كحال كثير من المثقفين يغطون سلبيتهم بادعاء الانشغال في أمور هي في جوهرها سطحية وتنم عن جبن فكري وسلوكي. وأضاف أبو شاور: الانتفاضة الثانية منحت جماهير الأمة فرصة كبيرة، ولكنها توأد ليس من الأعداء السافرين وانما من الاعداء الداخلين في بلاد العرب، وأكد: الآن يوجد انتفاضة في فلسطين ومقاومة وهناك مقاومة في العراق وفي هاتين البؤرتين سيتحدد مستقبل الأمة وكل مثقف لا ينحاز لهما علناً ثقافة وسلوكاً فإنما يخون نفسه .