مدن فلسطين الثلاث، حيفا ويافا والناصرة، كانت «تحت المجهر» من خلال حلقة توثيقية تسجيلية استعادت مع المشاهد موقع هذه المدن في التاريخ والثقافة وفي الذاكرة الفلسطينية كذلك. حلقة عادت إلى سرد مصوّر لحكايات متنوعة عن الناس وكيف عاشوا هناك من خلال عاداتهم وتقاليدهم، ومن خلال تسليط الضوء على نشاطاتهم الزراعية والصناعية والفنية. «تحت المجهر» عن ذاكرة الفلسطينيين مع يافا وبرتقالها الذي دخلت زراعته البلاد في القرن التاسع عشر، فأصبح بسرعة سلعة تصديرية بدأت بمئة ألف صندوق، ووصلت قبل نكبة 1948 إلى مليون ونصف مليون. تلك النهضة كانت تعني أيضاً نشاطات ثقافية وصحافية وأدبية وفنية، والبرنامج يذكّرنا بأن سيدة فلسطينية هي من أطلقت على أم كلثوم لقب «كوكب الشرق» الذي عرفت به في حياتها ولا تزال. هل كانت بدايات السينما العربية في فلسطين مع الأخوين إبراهيم وبدر لاما؟ الثابت أن شركة إنتاج تأسست في حيفا باكتتاب شعبي، لكن الثابت أكثر أن مدن فلسطين الرئيسة تلك، شهدت عروضاً سينمائية كثيفة في دور العرض الكثيرة نسبياً، والتي انتشرت فيها خصوصاً في يافا المدينة الساحلية التي استقبلت عروضاً مسرحية وحفلات غنائية لكبار الفنانين العرب، بعد تأسيس شركة الكهرباء وإنشاء مصفاة النفط في حيفا ومد أنبوب النفط العراقي إليها. حلقة «تحت المجهر» جاءت بتفاصيل كثيرة، لعلّ أهمها ذكريات بعض من عاشوا تلك الأيام هناك، وكان أهم ما فيها تركيزهم جميعاً على المدينة والحياة المدينية باعتبارها بيئة الطبقة الوسطى القادرة والمؤهلة للإنتاج الفكري والثقافي، ومن ثم القادرة على تحصين المجتمع ضد أعدائه الخارجيين. وبين الذكريات ومن بعدها التحليلات المكثفة إضاءة على راهن تلك المدن، حيث تقلّص الوجود الفلسطيني فيها ليقارب «غيتوات» خاصة في غابة الأحياء التي تعجُ بالمستوطنين اليهود الذين أصبحوا الأكثرية. هي واحدة من الحلقات الجميلة والغزيرة بالمعلومات تعيد المشاهد إلى صورة الحياة في فلسطين وما عاشه أهلها هناك في جوانب نفتقد كثيراً معلومات عنها. والأهم لصورها الوثائقية التي تظل أكثر صدقاً وتعبيراً، نراها اليوم باعتبارها وثائق عن الحق الفلسطيني، ولكن أيضاً باعتبارها حياة حقيقية كان لها بشرها الكبار والبسطاء على حد سواء.