ترنو أعينهم الى غرب الأردن، يتطلعون الى الطريق التي أتوا منها وفي أنفسهم حسرة واشتياق الى العودة، ينظرون عبر الأفق إلى بلادهم فلسطين، تتجلى أمامهم: القدس ويافا وحيفا وطولكرم غزة... إنهم اللاجئون الفلسطينيون الذين هجروا قسراً من مدنهم وقراهم بين عامي 1948و 1967.مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين هو أحد 13مخيما تتوزع في الأردن ويبلغ تعدادهم ما يزيد عن مليون و 800الف لاجئ يقطنون بيوت الصفيح يغادرون بؤسهم في الصباح بحثا عن لقمة خبز ويعودون أدراجهم في المساء بعدما أنهكهم الإعياء والتعب. مثقلون بالفقر والبطالة لكنهم لا يكترثون كثيرا، فهذا حالهم الذي تعودوا عليه منذ اللجوء في عام 1967، ما يسيطر على تفكيرهم حق العودة والرغبة في نهاية درب الآلام، يتحلقون على نحو دائم أمام شاشات الفضائيات العربية يراقبون الخبرالفلسطيني، يتفاعلون معه، يتعايشون مع اللحظة، فيبكون لآلام شعبهم تحت نيران الاحتلال الصهيوني، وقد يخرجون إلى الشوارع بحناجر مليئة بالغضب يهتفون ضد الاحتلال ومجازره اليومية ومستوطناته. في المخيم حكايات كثيرة لا يعرفها كثيرون، فالمخيم عبارة عن تجمع للعائلات الفلسطينية من شتى المدن والقرى "تبا تركوا جنة الدنيا فلسطين ليعيشوا هنا تحت الصفيح" يقولون هم ذلك، كثير من أبنائهم قضوا إلى ربهم شهداء وهم ينافحون عن القضية الفلسطينية، مرارة حياتهم لا تنتهي إلا بالعودة، يعرضون وجهك سندات ملكية الأراضي في فلسطين وسندات ملكية البيوت حينما تطرق الحديث الى التوطين. لا يوجد في المخيم أماكن للترفيه أو الحدائق، يزجون وقتهم بالحديث عن البلاد التي ضاعت، يلتفون حول عجوز طاعن في السن يروي لهم كل يوم "سفر الخروج من أرض كنعان" وتتكرر الرواية ذاتها وان كانت بألفاظ مختلفة من كهل يروي وتتقاطر من فمه حلقات الدخان يعبس تارة ويضحك أخرى ويبكي في الثالثة حينما يتذكر برتقاله الحزين وزيتونه الذي اقتلعه الاحتلال. إذ يقف ذلك المخيم اليوم الى جانب سبعة مخيمات أخرى تأسست إبان حرب 1967ضمن مساحة تقارب 4356دونماً، كنتاج للعدوان الإسرائيلي ضد الدول العربية. ويقول عطا الله قويدر ( 60عاما) الذي عاصر مراحل تأسيس المخيم منذ أن وطأه عام 1968قادماً من أريحا بعد تهجيره من اللد، "رغم تحسن أوضاع المخيم في السنوات الأخيرة مقارنة بما كانت عليه في السابق، لكنها تظل تراوح الحدود الدنيا من الحياة الكريمة التي أسعى لتحقيقها لأولادي الثمانية". ويتابع قائلاً إن "مطالبة اللاجئين المتكررة لتحسين ظروف معيشتهم الحياتية وأخذ فرصتهم العادلة في العمل والتعليم لا تعني مطلقاً الرغبة في الخروج من حدود المخيم أو التنازل عن حق العودة، فنحن ندرك أن وجودنا في الدول المضيفة مؤقت ولابد من مجيء يوم العودة إلى الوطن". الحكومة الأردنية تنفق على المخيمات الفلسطينية زهاء 400مليون دينار سنويا إلى جانب ما تقدمه وكالة الغوث لديهم من خدمات صحية وتعليمية، ولا يخفى على أحد أن واقع المخيمات المعيشي تحسن الى حد بعيد بسبب جهود العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي أمر بتحسين واقع البيوت وقدم بعثات دراسية لأبناء المخيم على حساب المكرمة الملكية. ويرى فوزي أبو صبيح ( 59عاما) "ان مفهوم العود حاضر في مناحي حياة اللاجئين كافة، ويشكل محور الأحاديث اليومية تقريباً"، ويضيف إن "مطلبنا الدائم بالعودة الى بلادنا التي شردنا منها لا يرجع الى الصعوبات الاقتصادي ولكن لأنه حقنا الطبيعي الذي لا نتنازل عنه". ويعتقد جميل الصلاحات ( 40عاما) بأن واقع اللجوء والاقتلاع القسري الإسرائيلي للفلسطينيين يلقي بظلاله السلبية على حياة اللاجئين في مخيمات الشتات، معتبراً أن العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، الى جانب تردي الظروف المعيشية التي يرزح اللاجئون تحت وطأتهم في الشتات قد تولد لديهم ضغوطاً نفسية واجتماعية صعبة تترجم نفسها الى مظاهر سلبية عديدة. وقد تجد تلك الضغوط بحسب سويلم علي ( 50عاماً) مخرجاتها في "المساجد أو عند رجال الدعوة وملقي المحاضرات،، كمتنفس للتعبير عن آرائهم وخوالجهم الداخلية". وتتفاقم حدة الأوضاع مع قلة الفرص المتاحة أمام اللاجئين في التعليم والعمل وغياب آفاق المقدرة على التغير. فبحسب سعدون الخليلي ( 32عاما) فإن "العلاقة التبادلية بين الإنجازات التعليمية والتقدم الاقتصادي ضعيفة"، ويرى أن ثمة مفارقة صارخة يعيشها اللاجئ في التناقض بين تحصيله التعليمي الجيد وعدم قدرته على استكمال دراسته الجامعية بسبب التحاقه المبكر في سوق العمل أو تشككه من أخذ فرصة متساوية في العمل". ويقول الخليلي إن "كثيرا من الأهالي اضطروا الى اخراج أولادهم مبكراًمن المدرسة إما بسبب ضيق ذات اليد أو لعدم قناعتهم بوجود أفق نحو وضع وظيفي واقتصادي مناسب" وهو ما حصل مع صالح حسن ( 65عاماً) حينما أجبرته ظروف الحياة القاسية الى إخراج ابنه مراد من المدرسة قبل أن يكمل صفه الثامن الابتدائي ليساعده في إعالة أسرة مكونة من 8أفراد. ويعمل مراد الى جانب مساعدة والده في محل لصنع الأحذية، كحمّال يجوب أرجاء المخيم بحوائج المارة الثقيلة على ظهره لمن لا يستطيع أصحابها تكبد حملها. وتشكل فئة الشباب من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الأونروا نسبة تقارب 20% من مجموع اللاجئين، بينما ترتفع تلك النسبة بين صفوف من تتراوح أعمارهم من 10- 24عاماً لتصل الى حوالي 30%، مقابل 21% بين صفوف من تتراوح اعمارهم من 10- 19عاما من اللاجئين، فيما يقبع حوالي 131الف طالب وطالبة منهم في 171مدرسة تابعة للأونروا التي تقدم خدماتها التعليمية حتى الصف العاشر. ويعمل غالبية اللاجئين في مجالات البناء والخدمات مقابل عدد قليل منهم في المهن الحرفية والإدارية.