أهم ما قدمه تلفزيون فلسطين الى اليوم هو تلك البرامج التي تتناول مآل المدن والبلدات التي ظلّت هناك وراء «الخط الأخضر»، والتي طاولتها يد التهويد خلال العقود الستة الماضية. الحلقة التي تناولت الحياة اليوم في يافا، كانت أكثرها أهمية، إذ قدمت صورة حقيقية للخراب الذي وصلته بالمقارنة مع مجدها السابق حين كانت تضج بالحياة الاقتصادية والعمرانية، كما بالنشاط الأدبي والفني. بمشاهدة تلك الحلقة، استعدنا حديث الآباء والأجداد عن يافا التي أبدع في وصف فتنتها محمد مهدي الجواهري، والتي غنت فيها أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وأسمهان وفريد الأطرش وغيرهم، والتي جاء إليها محمد عبدالوهاب خصيصاً لحضور العرض الأول لفيلمه «الوردة البيضاء». قد لا يستطيع تلفزيون فلسطين أن ينافس الفضائيات الكبرى، ولا نطالبه بذلك، ولكنه يستطيع – وضمن إمكاناته الراهنة – أن يكون حقيقياً، وأن يقدم برامج تعبّر عن الحياة الراهنة في فلسطين من مختلف وجوهها: يحتاج المشاهد الفلسطيني والعربي أن يرى ويسمع الكثير عن أولئك الفلسطينيين الذين ظلوا متشبثين بأرضهم هناك، وأن يعرف أكثر عن نشاطات حياتهم، خصوصاً في الأدب والفن ووجوه الثقافة الأخرى. هي ملاحظة تدفع الى التساؤل: هل كانت هجمة التهويد الشرسة التي عاشتها فلسطين لتتحقق بهذا اليسر لو كانت هناك كاميرا التلفزيون؟ هو سؤال لا يريد تبسيط الصراع إلى هذا الحد، لكنه في الوقت ذاته يطمح للإشارة إلى أهمية توثيق كلّ ما يجري، وتقديمه للعالم، ونحن بالطبع نعيش عصر الصورة، ونعرف المدى الذي تصله في تأثيرها، وفي قدرتها على خلق الرأي العام العالمي وتوجيهه لدعم فلسطين وقضيتها العادلة، وتعريف العالم في بلدانه البعيدة بحقيقة العناوين الإخبارية التي باتت بلا معنى أو تفسير بعيداً من الصورة. هواجس كثيرة تحضر مع حضور موضوع العلاقة بين الصورة التلفزيونية والأحداث اليومية في فلسطين. وهي هواجس تشكل مشاريع فنية يمكن تحقيقها بإمكانات ليست باهظة الكلفة، وإن كانت عظيمة التأثير وذات شأن مصيري في الصراع الدائر بالوسائل والأسلحة كلها، والهادف الى تحويل فلسطين إلى بلاد لا تشبه نفسها.