تعاقبت سنوات وأمي تغسل رأس الطفل الموجود فوق أكتافي ب«كورسين» (القاز) فتكاً بجيوش قمل، أو كسحاً لألغام بيضاء يسميها العلم «بيض قمل»، ويختصر العامة وصفها ب«الصيبان»، مرت أعوام شداد عجاف ثم أتى عمر يغاث فيه الناس ويعصرون على رؤوسهم قناني «الشامبو». يتموضع بين «القاز» و«الشامبو» مؤشرات تغيير مست حياتي تدفعني للاعتقاد بضعف احتمال أن يكون رأس الكهل الموجود على أكتافي قادراً على أن يصف ذاته بإنسان سوي، فالركض السريع أصاب العقل بحال لهاث لا ينقطع سواء نهروني أو تركوني. تسرب بعض «القاز» إلى جمجمتي، جملة قابلة للإعراب، فالأعراب قومي تركوا الخيام وتطاولوا في البنيان حتى تقزم جبروت فرعون بجوار تعالي هاماتهم، مع فارق أن الله لم ينج أجساد أمواتهم، دليل على أن التراب أقرب. يصعب منح «العقل السعودي» علامة ناجح بعد أن مر «ابن لادن» من تحت جلبابه وقبله جهيمان، كلاهما رحل إلى حيث شاء ربهما، وتعلقت عقيدته في بقية جلباب مجتمع كان له أجداد يتمتعون بأفق أرحب يسمح للنساء بركوب حمار، وذبح خروف للضيوف، ثم لم نعد نرى الحمار إلا بجوار زوجة متسلطة، بينما «الخروف» موجود بكثرة في المقاهي العائلية. كانت الصحراء ذات رأفة بجماجم الأجداد، تستقبل أجسادهم بعد عمر مديد من دون أن ترهقهم بحجم معلومات يتدفق من الشرق والغرب بما في ذلك عدد كؤوس تجرعتها «باريس هيلتون»، أو صواريخ غواصات تتطهر بماء البحر قبل أن تنتحر على أرض بغداد سابقاً أو طهران لاحقاً، مع توجس من أن يقاد «صدام» جديد لمذبح أضحية في يوم عيد. تناست جمجمتي أصوات ربابة كانت تذوب بين أيادي والدي، واستقبلت «شعبولة»، وبينهما سعد التمامي في زمن محو الأمية يردد «شفت الخالة شايلة شنطتها»، ثم لم تعد الشنطة للكتب بقدر كونها لأحمر شفاه، عطر، جوال، بطاقة صراف آلي، بينما أصبحت كل طفلة «خالة»، وحال من النضج الباكر بسبب حقن مكثف بهرمونات مسلسلات مكسيكية وتركية، وكذلك استعادة الدراما والسينما المصرية لرومانسية الستينات. يقف حالياً بين كل سعودي وسعودي شخص غير سعودي، وفق إحصاءات رسمية تتحدث عن وجود نيف وثمانية ملايين جسد أجنبي يسيطر على طيف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وطيف أعرض من فرص وظيفية يسكنون فيها حتى يبلغوا سن التقاعد، ثم يورثون الكرسي لأجنبي آخر، لم نعد نرى السعودي في الغالب إلا مليونيراً أو حامل معروض. يتعرض الرأس السعودي لصدمات متلاحقة، فكرياً وثقافياً، أكثر من إصابته في حوادث سيارات، فهو في النتيجة «رأس مصدوم» متأثر بارتجاج شبه دائم لا يسمح له باتخاذ قرار سليم تجاه قضاياه أو قضايا جيرانه، وفق تصوري، وهو تصور قد يعتريه قصور نتيجة كونه مقبلاً من رأس مغسول قبل سنوات بمادة كيماوية يتم سكبها ب «فوانيس» للإضاءة، ثم عندما أتت الكهرباء انطفأ الفانوس، وأصبح خارج الخدمة، وأيضاً رأسي. [email protected]