يدلف إلى المسجد، يمد يده، تهتز بتأثير خارجي ولطف، تفسيره «يوجد جيش من الجن يقبلونها»، هكذا يتصرف أخي عبدالله عندما يكون في حال استقرار، مضيفاً «إنهم ينادوني: أيها الملك»، لكن عندما تنقشع عنه خيمة الهدوء يتحول إلى مجموعة أحاديث يصعب استخراج صورة متكاملة منها. يقسو جداً على قلبي منظره وهو يتحدث مع وجوه لا نراها، يأمرهم بالانصراف لأنه «مووو وقته»، ويطير سؤال من جمجمتي «من أين له هذا الجبروت؟» القادر على نهر عفاريت، وطرد جيوش جن، ثم تصيبني حال غرور عندما يلتفت نحو إحدى كتفيه ويصرخ: «ما تشوفوني أسولف مع أخوي خالد». «يسولف» عبدالله عن غداء في مشرق الأرض، عشاء في مغربها، حسناوات يمن وشام، لكنه متمسك بعشقه الأول «الممثلة الأميركية مايلي سايروس»، بشخصية «هانا مونتانا»، ثم يأتي الطب النفسي بتفسير عن هلاوس وخيالات، فيرد أصحاب العلاج بالرقية الشرعية «بل مارد من الجان»، فيما المجاهرون بالعلاج الروحاني يصرون على أن «أخوك معشوق من ذات تاج تنتمي إلى الجن الأحمر». مر الجن الأحمر، وقبله الأزرق، على محاولات متكررة الفشل من جنوب السعودية إلى شمال الأردن، عند أبواب رجال يسردون ملاحم قتالية ضد ملوك جن، طرداً أو حرقاً، ويعترفون بقتل مع سبق إصرار وترصد لرجال ونساء من الجن، قتلة لا يخشون عقوبة سجن أو إعدام، على رغم اعترافهم بسحق أرواح، ما جعلني أتعاطف مع الجن بسبب تعرضهم لجرائم غير إنسانية، وغير جنية أيضاً، لكنني خرجت بأسئلة تحيرني عن عدد ملوك الجن، لدرجة أصابتني بشك حول وجود شعب. كان عبدالله قريباً جداً من إتمام حفظ القرآن قبل تجاوزه المرحلة المتوسطة، عندما وضعه أستاذ العلوم الدينية تحت جلبابه أثناء مشاوير يومية لممارسة الرقية، حتى أتت ليلة عجيبة انتهت بمقتل «المعلم» في دورة مياه، وانتقال عبدالله إلى عالم معزول عن واقعه. عبر نصف عمر أخي عبدالله وهو تحت سيطرة «حالته»، جسداً متكاملاً ووعياً خاملاً، مرت من السنوات 20، وعيون مشغولة بملاحقة ضيوف يلبسون «طاقية إخفاء»، وعلى رغم عذوبته الأقرب إلى الماء، فإن براكين صامتة تحترق تحت ثيابه، لا يردعها احتراق أكوام نقود عند رقاة، أو أسماء تنتشر على «فيسبوك» تؤكد «ما تقلقش يا باشا» في أول تأكيد على أن ثورة 25 كانون الثاني (يناير) أعطت مصر باباً واسعاً للسياحة الروحانية. تسعى أسرة عبدالله إلى إنقاذه، وإعادته إلى حياته، على رغم قلقي من احتمال اكتشافه لاحقاً بأن استمرارها مع الجن أفضل من التورط بيومياتنا، فوجوده معهم كملك لا تقارن بعبودية الوظيفة والقروض، فلا يوجد لدي يقين بأنه يريد أن يكون مولوداً جديداً بعمر ال40. ساعدني عبدالله في اكتشاف أن مساحات التفريق ضيقة جداً بين أساليب المتصدين للجن المحتل لجسد إنسان، وعندما يتعثر الشفاء أو يتأخر تكون التوصية «زنجبار»، وربك غفار. [email protected] @jeddah9000