حصد الإسلاميون في مصر ثمار تظاهراتهم أول من أمس تعديلاً في «وثيقة المبادئ الدستورية»، التي أعدها نائب رئيس الوزراء علي السلمي، لبَّى كثيراً من مطالبهم، خصوصاً اعتبارها «استرشادية» للجنة إعداد الدستور المفترض تشكيلها بعد انتخاب البرلمان الجديد، فيما تحول ميدان التحرير ومحيطه في قلب القاهرة إلى ساحة مواجهة مفتوحة للسيطرة عليه بين متظاهرين من القوى والائتلافات الشبابية ومصابي الثورة من جهة وقوات الشرطة من جهة أخرى، ما أوقع عشرات من المصابين في الجانبين، وحرق حافلة نقل جنود. وجاء ردّ فعل الحكومة على حشد الإسلاميين مئات الآلاف في مختلف الميادين في تظاهرات الجمعة للاعتراض على «وثيقة المبادئ الدستورية» سريعاً، إذ أعلن السلمي أمس تعديلات عليها تقترب كثيراً مما طرحه الإسلاميون الذين طالبوا بالمزيد. وحدَّت التعديلات الجديدة من السلطات الممنوحة للقوات المسلحة، وخففت من قيود اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، فضلاً عن اعتبار الوثيقة «استرشادية». وحُذف من الوثيقة كلمة «مدنية» التي اعترض عليها الإسلاميون واكتفت بالنص على أن مصر دولة «ديموقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون». وحدد ملحق مرفق بالوثيقة معايير لتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، مشيراً إلى أنها «ستشكل بإرادة البرلمان» على «ألا تقتصر على مكونات الغالبية البرلمانية»، واشترط الملحق موافقة ثلثي الأعضاء المنتخبين في غرفتي البرلمان على تشكيل الجمعية. واعترضت حركة «الإخوان المسلمين» على الشرط الأخير (موافقة الثلثين) وقال المتحدث باسمها محمود غزلان ل «الحياة» إن «التعديلات قد تنزع فتيل الأزمة» لكنه اعتبر أن اشتراط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على تشكيل لجنة إعداد الدستور «أمر تعجيزي ولغم جديد في طريق التوافق والقبول بالوثيقة». كما انتقد رئيس حزب «الحرية والعدالة» محمد مرسي والقيادي السلفي الشيخ محمد عبدالمقصود، في بيان مشترك، معايير تشكيل لجنة إعداد الدستور التي تجعل «تشكيلها شبه مستحيل»، إذ أن البرلمان المقبل يصعب أن يأخذ قراراً بغالبية الثلثين. ونقل البيان عن السلمي أن «النص الخاص بمعايير تشكيل لجنة إعداد الدستور تم توزيعه بطريق الخطأ، وأن الحكومة ملتزمة الصياغة التي تم الاتفاق عليها معهما ولا تشترط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على تشكيل اللجنة»، وطالبا السلمي بتصحيح الملحق في أسرع وقت. في المقابل، انتقد رئيس المجلس الوطني ممدوح حمزة اعتبار الوثيقة استرشادية. وقال «لم يعد لها لزوم، ونرفضها تماماً ما لم تكن ملزمة». وكذلك انتقد رئيس حزب «التجمع» رفعت السعيد تعديلات الوثيقة. وقال «قيمة هذه الوثيقة في كونها ملزمة، وإذا لم تكن ملزمة فلا قيمة لها». ميدانياً، تحول ميدان التحرير في القاهرة ساحة معركة بين قوات الشرطة ومتظاهرين للسيطرة عليه بعد إخلائه في ساعة مبكرة صباح أمس من مئات المعتصمين الذين باتوا ليلتهم فيه بعد انتهاء تظاهرات الجمعة. وسقط عشرات المصابين من الجانبين في الاشتباكات التي استخدمت فيها الشرطة القنابل المسيلة للدموع والمتظاهرون الحجارة. وبعد إخلاء الميدان فرضت قوات الشرطة طوقاً أمنياً مشدداً حوله، وأحاطته بعشرات الآليات والمدرعات، لكن المئات تجمعوا وهاجموا قوات الشرطة المتمركزة في الميدان بالحجارة من اتجاهات عدة، وردت قوات الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريقهم. ووقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين سقط فيها عشرات المصابين قبل أن تنسحب قوات الشرطة من الميدان مخلفة وراءها ناقلة جنود أحرقها المتظاهرون. وعادت قوات الشرطة مجدداً إلى الميدان مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين ونجحت في استعادة السيطرة على الميدان بعدما دارت «حرب شوارع» بين الجانبين في المنطقة المحيطة بالميدان، وظل الكرُّ والفرُّ مستمراً ساعات عدة، بالتزامن مع عمليات حشد للشباب لاستعادة السيطرة على الميدان.