ما إن يرمق سعيد محمد، وهو موظف في دائرة التقاعد العامة، ازدحام الشارع من بعيد، أثناء ذهابه إلى عمله، حتى يحسم أمره. فيركن سيارته «كيا» في أول مكان يعثر عليه، ويتوجّه إلى النهر لعبور الجسر بواسطة الزورق. يقول محمد، الذي يسكن في حي الفضل، قرب الرصافة في بغداد، فيما يقع مقر عمله في منطقة الكرخ ما يتطلب عبور الجسر، إن «الزحام ظاهرة غير قابلة للحل في بغداد، وتعطّل الحياة العامة في شكل لا يطاق. وبات النقل البري بواسطة السيارة مكلفاً، من حيث الوقت والجهد والمال»، وهذا ما يدفعه في كثير من الأحيان إلى استخدام النقل النهري بدل البري: «أفضّل الوصول إلى عملي عبر الزورق، فيما أستمتع بالتفرّج على نهر دجلة الجميل، على أن أسجن في سيارتي منتظراً أن ينفكّ الزحام قبل وصولي إلى عملي». وينتشر العشرات من أصحاب الزوارق على ضفاف نهر دجلة، في مناطق الكاظمية والأعظمية والشواكة وغيرها من المناطق البغدادية المطلة على النهر، كسباً لقوت إضافي، مستفيدين ممن يفضلون اختيار النقل النهري على البري الذي عادة ما يؤخر الأهالي في الوصول إلى أعمالهم في الوقت المحدد. ويقول سامر عباس، الذي تعوّد التنقل بين جانبي الكرخ والرصافة عبر النهر، إنها فكرة جيدة للتخلص من الزحام، «وأتمنى على الجهات المسؤولة تطويرها وعدم تركها لأشخاص لا يملكون إمكانات كبيرة لتطويرها». وعن المعوقات التي تواجه أصحاب النقل النهري، وهم في الغالب مواطنون بسطاء لم يجدوا غير هذه المهنة التي يصفونها بالمتعبة، لإعالة عائلاتهم، يقول أبو قصي الذي يملك زورقاً للنقل النهري في منطقة الشواكة إن «هناك العديد من الحدود المرسومة على نهر دجلة، يمنع تجاوزها لقربها من المنطقة الخضراء ومقار الحكومة وبعض الوزارات، خصوصاً المنطقة المحصورة بين مبنى القشلة ووزارة الدفاع والمنطقة التي تلي جسر السنك». ويتحدث زميله عمار الشيخلي عن مشكلة أخرى تواجه المهنة المزدهرة هذه الأيام، وهي منسوب المياه الذي يتغير بحسب المد والجزر. فخلال السنتين الماضيتين، واجه أصحاب الزوارق صعاباً كبيرة بسبب انخفاض منسوب مياه دجلة. ويوضح أنه «مع انخفاض منسوب النهر، أصبحت الزوارق قريبة من القعر، ما أدى إلى تدمير زوارق لزملاء لنا». ومن شأن النقل النهري خفض حدة الزحام في شوارع العاصمة بغداد وعلى جسورها بسبب نقاط التفتيش الكثيرة، فيما يتميز النقل النهري بأنه لا توجد نقاط تفتيش أو محطات أمنية. ومن المعروف أن النقل النهري معروف في بغداد منذ خمسينات القرن الماضي، إذ كانت حركة النقل النهري نشطة في نقل الركاب والبضائع بين الكرخ والرصافة.