فيلم أميركي طويل عاشه ضيوف «مهرجان الدوحة - تريبكا» في دورته الثالثة (من 25 الى 29 تشرين الأول (أكتوبر))، يُضاهي بنجومه الكبار وال «أكشن» التي تخطف الأنفاس، كل أفلام المهرجان جاذبية... فيلم كاد أن ينسف جهوداً كبيرة لإنجاح مهرجان طموح، وُضعت له إمكانات كبيرة كفيلة بتحويله الى محطّ جذبٍ للسينمائيين العرب والأجانب، من دون ان ينسى المعنيون القاعدة التي ينطلقون منها، وبالتالي أهمية إدخال الثقافة السينمائية في مجتمع يُعتبر فيه الفن السابع طارئاً، من خلال اعطاء مساحة واسعة للتعليم السينمائي والنشاطات على مدار العام. ولئن كانت الفضائح تجذب القارئ أكثر من أي شيء آخر، تصدّرت الصفحات الالكترونية أخبار عمر الشريف والصفعة التي وجهها الى الزميلة عائشة الدوري على كل ما عداها من أخبار حول المهرجان. وسرعان ما أضحت هذه النوعية من الأخبار الأساس في اروقة الحي الثقافي «كتارا» الذي احتضن غالبية العروض، الى درجة يكاد المرء معها ان ينسى الأفلام والنقاشات من حولها. وعلى هذا المنوال، أحدثت المحاولة غير الناجحة للمهرجان لأخذ توقيع المذيعة عائشة الدوري على ورقة رسمية تنفي فيها تعرض عمر الشريف لها بالشتم والضرب، بلبلة في صفوف المدعوين. ثم كان انسحاب فيلم المخرج المصري خالد الحجر من المسابقة عبر بيان، اتهم فيه الممثلة اللبنانية كارمن لبس (إحدى أعضاء لجنة تحكيم الفيلم الروائي) بتسريب نتائج لجنة التحكيم قبل صدورها رسمياً. كما سار خبر انسحاب مجموعة من النجوم الخليجيين من الحفلة الختامية (الممثل الكويتي سعد الفرج، النجم السعودي عبدالمحسن النمر، المخرج البحريني بسام الزوادي، والمخرج الكويتي عبدالله بوشهري) نتيجة سوء في التنظيم... ليتوّج هذا كله بمسرحية هزلية سيطرت على حفلة توزيع الجوائز. والغريب في الأمر، كان القرار الذي حُكي انه صدر عن المديرة التنفيذية لمؤسسة الدوحة للأفلام أماندا بالمر، التي هي في الأساس صحافية، بمنع أهل الصحافة من حضور حفلة إعلان توزيع الجوائز. ومع هذا حضرت «الحياة» بين وسائل إعلام معدودة، هذا الاحتفال، ولو من طريق الصدفة، لتشهد على جملة إخفاقات، ربما كانت سبباً في قرار أماندا بالمر، هذا. هرج ومرج ولا مبالغة في القول ان هرجاً ومرجاً صاحبا حفلة توزيع الجوائز منذ صعود أنطونيو بانديراس وعمر الشريف الى المسرح حتى النهاية. وعلى رغم الانسجام الذي بدا على النجمين ومحاولتهما تقديم عرض ممتع، اختلط الحابل بالنابل، وتاه أصحاب الجوائز. البداية كانت مع إعلان عمر الشريف عن فوز فيلم اللبناني أحمد غصين «أبي ما زال شيوعياً – أسرار حميمة للجميع» بجائزة أفضل فيلم عربي قصير، ولكن ما ان صعد هذا الأخير الى المسرح وطلب منه عمر الشريف ان يفتح المغلف الذي يحمل الإعلان عن جائزته، حتى اكتشف ان الجائزة ليست له، وإنما للفيلم السعودي «وينك؟» للمخرج عبدالله النجيم (10 آلاف دولار). ومع هذا لم يخرج غصين من المولد بلا حمص، إنما كان من نصيبه شهادة تقدير من لجنة التحكيم (10 آلاف دولار). ولم يقف الإرباك عند هذا الحدّ، إنما انسحب الى بقية الجوائز. اهمها مع رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة المخرج السوري محمد ملص الذي بعدما تكلم طويلاً عن صفات الفيلم الفائز («نورمال» – طبيعي - للمخرج الجزائري مرزاق علواش الذي نال مئة ألف دولار)، نبّهه أعضاء لجنته الى ان عليه ان يبدأ باسم الفائز بأفضل أداء تمثيلي (سامي بوعجيلا الذي نال 15 ألف دولار عن فيلم «عمر قتلني» للمخرج رشدي زم الذي نال بدوره جائزة أفضل مخرج عربي و50 ألف دولار)، فاعتذر تاركاً اسم الفيلم الفائز جانباً من دون إعلان، وإن لم يعد سراً، ليعود في النهاية ويقرأ مجدداً ما استهل به كلامه، من دون ان ننسى لحظات الصمت الكبيرة التي رافقت الإعلان عن الجوائز واختلاط المغلفات التي تحمل النتائج بعضها ببعض. أقل ارباكاً بدا نيك برومفيلد، رئيس لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية العربية، عند إعلانه منح جائزة أفضل فيلم وثائقي عربي لشريط «العذراء، الأقباط وأنا» للمخرج المصري نمير عبد المسيح (100 ألف دولار)، وجائزة أفضل مخرج وثائقي الى اللبنانية رانيا اسطفان عن فيلم «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» (50 ألف دولار). ومع هذا، كانت الفوضى سيدة الموقف، في حفلة خرج الجميع منها متسائلاً: من ربح ماذا؟ أما الجمهور فمنح جائزتين (100 ألف دولار لكل منهما)، لفيلمين، هما «وهلأ لوين؟» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي عن فئة الأفلام الروائية، و «كوميك كون، أي فانز هوب» لمورغن سبورلك عن فئة الأفلام الوثائقية. إخفاق وربح ويقيناً ان المهرجان الذي أخفق في مكان، ربح في أماكن أخرى. ربح أولاً في جذب الجمهور الذي ملأ الصالات السينمائية في غالبية العروض، في شكل لافت مقارنة مع الدورتين الاوليين. كما ربح في انتقاله الى الحيّ الثقافي «كتارا» الذي وفّر فرصة مهمة للقاءات بين المخرجين والموزعين والصحافيين. وحضن عروض أفلام في أكثر من منصة، مثل مسرح عروض الهواء الطلق، ومسارح دار الأوبرا، والمسارح المتنقلة... كل هذا من دون ان ننسى النشاطات المختلفة التي أُقيمت في أرجائه مثل معرض «حرّر حرّر» الذي تضمن 48 عملاً حول التحرر في العالم العربي، قدمها صانعو أفلام من عمّان وبيروت والقاهرة وتونس ورام الله ويافا ومراكش والخرطوم والدوحة. فضلاً عن يوم الأسرة الذي تجاوز عدد الحضور فيه 16 ألف شخصاً - كما اعلن منظمو المهرجان - ووصل عدد مشاهدي العروض السينمائية الى أكثر من 5 آلاف شخص على مدار هذا اليوم الذي شهد تقديم العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفيلم الرسوم المتحركة الثلاثي الأبعاد «القط أبو جزمة»، إضافة الى عرض خاص لفيلم ستيفن سبيلبرغ وبيتر جاكسون «مغامرات تان تان»، كما تتضمن احتفالاً ل «مؤسسة الدوحة للأفلام» و «ميراماكس» بمرور عشر سنوات على فيلم «سباي كيدز» بتقديم عرض سينمائي له. وانسجاماً مع استراتيجية القيمين على المهرجان في فتح ابواب السينما امام الشباب، أعلنت شركة «ميراماكس» بالشراكة مع «مؤسسة الدوحة للأفلام» عن إطلاق برنامج تدريب إعلامي، يمثل فرصة لطلاب المرحلة الجامعية في قطر، للعمل مع المسؤولين التنفيذيين في شركة «ميراماكس» في لوس أنجليس ولندن، بهدف إكساب الطلاب الخبرة اللازمة للعمل في مجال الترفيه والإعلام. وواضح من هذا كله، ان «مؤسسة الدوحة للأفلام»، تضع نصب عينيها خطة تهدف لجعل الفن السابع في نسيج المجتمع القطري من خلال تنشئة جيل الشباب على فن حديث في المنطقة وصولاً الى مرحلة تُصبح فيها أفلام صُنعت في قطر مئة في المئة. وحتى ذاك الوقت، لا شك في ان التحديات ستكون كبيرة، خصوصاً ان المنافسة بين المهرجانات الخليجية في أوجها. من هنا صار لزاماً على كل مهرجان من المهرجانات الخليجية الثلاثة ان يُحدد هوية تميزه عن المهرجانات الأخرى... والأكيد ان الدوحة اختارت الطريق الصحيح بدق باب التعليم.