أثبتت دراسة أعدتها «كليّة إدارة الأعمال» في جامعة كولومبيا، أن نساء الولاياتالمتحدة ينجحن اقتصادياً بشكلٍ أقل من الرجال، خصوصاً بالنسبة للمفاوضات على الأجور. ولا يعني هذا أنهن يفتقرن إلى القدرة والحافز على التفاوض بفعالية. كذلك يخضن مفاوضات فعّالة للحصول على القبول اجتماعياً وتعزيز طموحاتهن في مواجهة الذكور. في المقابل، تتجنّب الأميركيات الجزم في بعض السياقات، مثل النقاش مع الرؤساء حول الأجور. ويتكرّر الأمر نفسه، عندما ينهضن للمطالبة بحقوق الغير، وهو سياقٌ يُنظر فيه الى الجزم باعتباره مقياساً فعلياً لمدى الاهتمام فعلياً بالمطالب قيد التفاوض، ما يعيق عملية صعود قوة النساء. أعدّ هذه الدراسة البروفسور مايكل موريس، وشافكين شانغ، وإميلي أمانة الله، وهي أستاذة مساعدة في «كلية ماك كومبس لإدارة الأعمال» في جامعة تكساس في أوستن. نُشِر البحث في مجلة «الشخصية وعلم النفس الاجتماعي» التابعة ل «الجمعية الأميركية لعلم النفس»، ويُشكّل جزءاً من أطروحة البروفسور أمانة الله، التي أعدّتها بإشراف البروفسور موريس. واختارت «أكاديميّة نيويورك للعلوم» هذه الأطروحة باعتبارها الأفضل في 2011. ونالت التقويم نفسه من قِبَل «جمعية علماء النفس الاجتماعي التجريبي وأكاديمية الإدارة». اشتمل البحث على دراسات لتجارب تنفيذية واختيارات اختبارية. وابتكر البروفسوران موريس وأمانة الله عملية تفاوض افتراضية على الكومبيوتر من أجل الاختبارات المتصلة بالبحث. وتشمل العملية صوراً ورسائل صوتية بغية زيادة واقعية التواصل. وجرى إقناع المشاركين بأنهم يتفاوضون مع شخصٍ آخر حول معاشهم الأول في وظيفة جديدة. وفي حقيقة الأمر، كان المشاركون يتفاوضون مع برنامج كومبيوتر. جرى تحديد مواضيع الاختبار بشكلٍ عشوائي ضمن دورين تفاوضيين، يفترض الأول أن يدافع المشاركون عن أنفسهم ويطالبوا بحقوقهم، ويتطلب الآخر منهم أن يفاوضوا بالنيابة عن أحد زملائهم. في النتيجة، أظهر البحث أن النساء لم يطمحن إلى أجور أقل من أجور الرجال. كذلك لم يطمحن إلى تحقيق أهداف أعلى عندما كُنّ يفاوضن بالنيابة عن الآخرين. ويعني أن الطموحات الأقل لم تكن السبب في توصلهن إلى تحقيق نتائج أقل. وأشار البحث الى أن الآلية التي تقود النساء إلى نتائج أقل تتعلّق بمخاوف مُضخّمة من ردّة الفعل اجتماعياً إذا ما طلبن أجوراً أعلى. أظهرت الاختبارات أيضاً أن لعب دور الدفاع أثّر على مفاوضات النساء، فيما لم يتأثر أداء الرجل بهذا العامل، إذ دافعت النساء عن مطالبهن بصورة أقل عندما تعلق الأمر بأنفسهن، بالمقارنة مع ما فعلنه حين دافعن عن آخرين، وبالمقارنة أيضاً مع نظرائهن من الرجال. في هذا الصدد، بدا حجم الاختلاف في الحزم خلال التفاوض لافتاً للانتباه، فأثناء التفاوض عن أنفسهن، تنازلت الإناث عن 20 بالمئة مما طالبن به في الرواتب، خلال الجولة الأولى من المفاوضات. قدّمت نتائج هذا البحث دعماً للحجة القائلة بأن النساء اللواتي يفاوضن من أجل نتائج اقتصادية في مكان العمل، إنما «يفاوضن» في الوقت عينه من أجل الحصول على قبول اجتماعي، وإنهن يخففن حزمهن في بعض السياقات التي تعرضهن لإمكان أن يُنظر إليهن وكأنهن يتعارضن مع ما يُتوقع منهن. واستطراداً، برهنت اختبارات أخرى في الدراسة أن مخاوف النساء ليست في غير محلها، إذ مال المراقبون إلى تكوين انطباعات سلبية حول من يتفاوض بالأصالة عن نفسه، في حال كان المفاوض امرأة وليس رجلاً! بذا، لامست الدراسة أحد أسباب الفجوة الحاصلة في الأجور بين الرجل والمرأة في أميركا، إذ رأى البروفسور مايكل موريس أن هذا البحث كشف النقاب عن رابط مفقود في تأثير الجندر على المفاوضات المتصلة بالأجور، فعلى رغم أن النساء ينجحن أقل من الرجال، إلا أنهن لسن أقل قدرةً على المساومة، كما أنهن يستطعن التحكم بانطباعاتهن أكثر، ويفاوضن بوعي حول توقعات دور الجندر. واستنتجت أمانة الله أن نتائج البحث تقترح علاجاً مختلفاً عن الميل السائد لتدريب النساء على التصرف بحزم أثناء مفاوضات العمل، إذ رأت أنه ينبغي على برامج التدريب أن تركز على مسألة تبادل الأدوار. وأشارت إلى أنه من المثمر أن تتدرب النساء على كيفية إعادة تأطير المفاوضات للدفاع عن الذات، ما يجعلهن يتصرفن بطريقة فعّالة، على غرار حالهن عند الدفاع عن آخرين. وأعطت مثلاً على ذلك بالقول إن المرأة تستطيع وضع التفاوض على الأجور، ضمن إطار المساومة من أجل عائلتها. وعند التفاوض على الميزانيات في العمل، يمكن أن تضع المديرة الأنثى نشاطاتها ضمن إطار المساومة من أجل قسمها أو فريقها، كما يمكن النساء أن يتبادلن أدوار التفاوض كي يتجنّبن الأوضاع التي تفرض عليهن الدفاع عن ذواتهن. فمثلاً، تستطيع الأنثى الموظّفة أن تطلب من إحدى المديرات أن تدافع عنها للحصول على ترقية، على أن تقابلها هي بالمثل. أخيراً، اقترح البحث علاجات محتملة لمعالجة عدم المساواة في الأجور، وهي ظاهرة منتشرة مؤسساتياً. وطلب من المنظمات التي تكافح من أجل المساواة في الأجور أن تسعى لإرساء الربط بين الزيادة في الأجور ومعايير الأداء موضوعياً. وشدّد على أن غياب مقاييس موضوعية دقيقة، يخفض حاجة النساء إلى تعزيز الذات من أجل الحصول على أجور منصفة. في المحصلة، تفيد النتائج أنه يمكن المنظمات أن تخفض بفعالية مشكلة عدم المساواة بين الجنسين، عبر إزالة الأوضاع التي تجبر الموظفين والموظفات على التفاوض حول الأجور، بدل أن يكون الأداء هو المعيار المُتّبع في هذه الأمور. للمزيد من التفاصيل، يمكن الرجوع الى الموقع الإلكتروني ل «كليّة إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا» gsb.columbia.edu.