يكثر الحديث عن حقوق المرأة، وتمتلئ الصحف بالمقالات التي تنادي بحقوق المرأة وتطالب بتمكينها في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية والمهنية، ومساواتها بالرجل، وتنعقد المؤتمرات والمنتديات باختلاف توجهاتها وطبيعتها من أجل بحث سبل تمكين المرأة ورفع مستوى وعيها الفكري وعطائها العملي، وعلى مستوى المحافل الدولية نتشدق بأننا أعضاء في عدد كبير من الاتفاقيات التي تنص على حقوق المرأة في المجالات المختلفة. من جهة أخرى، مازال يتعالى ضجيج البرامج الحوارية في كل ما له صلة بالمرأة وحياتها وعملها ودراستها، وقيادتها للسيارة، ومشاركتها في الانتخابات البلدية، وترشيحها للعضوية الكاملة لمجلس الشورى، وما إلى ذلك. فإذا كان الفكر النسوي نشأ نتيجة شعور المرأة بالاضطهاد وعدم المساواة مع الرجل، الذي أفرز ما يعرف بالمذهب النسوي، الذي يعني كل ما يطلق على الفكر المؤيد لحقوق النساء، الداعي إلى تحريرهنّ من القمع الذي تمارسه عليهنّ السلطة الذكورية، فإن المعطيات الحالية تجاوزت الفكر النسوي وما بعد النسوي، لتنتج فكراً جديداً يبحث عن اضطهاد المرأة للمرأة! الذي قد يعني مساءلة الواقع عن وجود نساء يمارسن جميع الضغوط المادية والمعنوية لتحجيم دور المرأة في أماكن العمل، لأنها تُرى على أنها تهديد لمكانة امرأة أخرى. في الأغلب يُعتقد أن قضية تمكين المرأة في مواقع مهمة وحسّاسة هي قضية يقف الرجل لها بالمرصاد دائماً. لكن من واقع التجربة، ومن وحي تجارب شخصية في حياتي وعلى الصعيد الحقوقي بالذات، كانت معظم المعوقات التي تصادفني سببها امرأة، كما لاحظت في حالات أخرى قريبة مني كانت المرأة هي المعوق الأساسي الذي يحاول أن يحبط كل محاولة لامرأة أخرى تأخذ طريقها إلى الإبداع والنجاح، ولأسباب يصعب تصنيفها على أساس أنثوي. في الجامعة، على سبيل المثال، حينما كنت طالبة في كلية القانون، كان جميع كادر هيئة التدريس من الرجال لندرة وجود أكاديميات متخصصات في القانون حينذاك، في أحد الأيام جاء العميد، وهو بالمناسبة بروفيسور في القانون التجاري وعلى مكانة علمية كبيرة، يزفّ إلينا نبأ انضمام أول دكتورة متخصصة في القانون الجنائي إلى كادر هيئة التدريس، وكان هو من دعمها للترشيح لهذا المنصب الأكاديمي الجديد على الرغم من أنها حديثة الحصول على الدرجة وبلا خبرة أكاديمية! استبشرنا خيراً، خاصة أنها ستفتح آفاقاً جديدة للمرأة في المجال القانوني الجنائي، وكنا نرى فيها قدوة لنا، لأنها تخوض مجالاً صعباً وهو المجال الجنائي الذي يحتكره الرجال. لكن مع الأسف توقعاتنا قد خابت، حيث انصب أغلب اهتمام هذه الدكتورة على التفريق بين كادر التدريس بممارسة كتابة الشكاوى ورفعها إلى المدير الأعلى للجامعة، مستخدمة الدسائس تارة والمكائد تارة أخرى، حتى نجحت في عزل العميد والجلوس مكانه في كرسي العمادة في الوكالة! وغني عن القول أن علاقتي بها لم تكن على ما يرام لأسباب أنثوية بالدرجة الأولى، وقد حاولت أن تعيق مسيرتي الأكاديمية في الكلية بشتى الطرق، ليس هذا فحسب، بل مارست عليّ إرهاباً نفسياً لا يخلو من نوايا إجرامية طوال تلك الفترة التي درستني بها بسبب أنها سمعت إشادة بي من أحد أساتذتي! هذه التساؤلات عادت للظهور مرة أخرى في بداية حياتي العملية، حينما طُلبت مني المساعدة في العمل على تحرير مدونة أحوال شخصية من أجل حماية حقوق المرأة وحفظها من الضياع ومعرفة ما لها وما عليها أمام القضاء، هذا العمل استغرق من زميلتي ثلاث سنوات -كما تقول- في البحث وجمع قوانين الأحوال الشخصية للدول العربية، بينما قمت بإعداده في ثلاثة أيام، فكل ما في الأمر هو بحاجة إلى قراءة متأنية، ودراسة مقارنة لقوانين الأحوال الشخصية، ووضع أنموذج يقاس عليه، ومن ثم يجرى النقاش والتعديل على كل مادة، ومناسبتها للواقع الاجتماعي السعودي، ومع إن العمل كُتب على عجل، وبحاجة إلى إعادة تقييم ودراسة، إلا أنني استغربت من أنه تم نسخه ولصقه بالكامل بعد إسقاطي اسمي عنه وإرساله خفية عني! صادفت مواقف مختلفة ومن نساء يفترض أنهنّ حقوقيات أو مهتمات بالشأن الحقوقي للمرأة، من أجل العمل على تطويره ورفع مستوى الوعي الحقوقي في المجتمع، لكن المبادئ الحقوقية تتلاشى حينما يعود الأمر إلى التعامل بالفطرة الأنثوية تجاه أنثى أخرى تعمل في المجال نفسه، وكأن المسألة قضية ديمومة الكراسي؛ ما إن تعتلي امرأة منصباً ما حتى تحاول إقصاء وحجب بنات جنسها، متناسية كل المبادئ الحقوقية التي تتشدق بها وتنادي بها ليل نهار من أجل المطالبة بحقوق المرأة! لا أعرف حقيقة إذا ما كان هناك أساس نظري وفلسفي تجاه هذه العلاقة المعقدة بين العمل من أجل حقوق المرأة، وبين اضطهاد المرأة للمرأة نفسها! لكنه أمر محيّر فعلاً ويستحق البحث والدراسة من علماء النفس الاجتماعي؛ وهو أن تجد المرأة الدعم من الرجل نفسه الذي نظلمه زوراً بأنه من يقف ضد المرأة في مسيرتها، على الرغم من أن تاريخ أدبيات حقوق المرأة أعطى نماذج لرجال أمثال قاسم أمين والطهطاوي ومحمد عبده وغيرهم، بينما في الأغلب تتسبب المرأة نفسها في هدم مسيرة كاملة للنساء بدوافع أنثوية، حتى لو أدى ذلك إلى إقصاء جنسها بالكامل، من أجل عدم ظهور أحد سواها في الصورة! والمقصود هنا بالصورة المشهد الحقوقي للمرأة على مستوى الحقوقيات والناشطات. وإذا كنتُ أقول هنا توجد امرأة تعمل ضد المرأة، فهذا لا يعني حالة تعميمية أو غياب الحالات الإيجابية للنساء في مجتمعاتنا العربية، وإنما ظاهرة اجتماعية تتطلب مزيداً من البحث والدراسة، علّنا نجد مسبباً علمياً لمقولة شائعة «المرأة عدوة المرأة».