استطاع الفنان المصري الأصم علي نصر أن يخترق جدار السكون الذي يعيش فيه، ليخرجه من ذاته ويجسده بين ثنايا 43 لوحة في معرض «ألوان من وحي الصمت» الذي افتتحه الفنان عصمت داوستاشي في «مركز الإبداع» في الإسكندرية برعاية جمعية «أصداء لرعاية الأصماء». لوحات نصر مرسومة بضربات فرشاة قوية، وسحبات سكين معجون ثائرة، يقطر منها السائل الزيتي، لتتحدث ألوانها لغة سهلة سلِسة. أصيب علي نصر (76 سنة) بمرض نادر سبب له الصمم وعدم المقدرة على الكلام، وهو لم يتجاوز السابعة من عمره بعد. وكان والده يعمل في حقل التربية والتعليم، فألحقه بمرسم الفنان سيف وانلي الإسكندراني ليُطلق طاقته الفنية المتدفقة فاتحاً أمامه طريقاً مثمرة. في البداية، تأثر نصر بأسلوب وانلي المشهور، لكن سرعان ما أسس لأسلوب خاص به يعتمد على رؤيته للواقع من دون تكلف. تطغى التعبيرية التلقائية على معظم لوحات نصر في حدة الضوء والتكوين، حيث تتصاعد قوة الألوان الساخنة في اتجاه يؤدي إلى اختزال الزمن عبوراً بمستقبل أكثر حلماً. وهناك لوحات استطاع التعبير عن ذاته فيها بحرية، مستعيناً بمنظومات لونية توزعت على هيئة بقع مضيئة تظهر من خلالها أهمية العلاقة بين الخط والتكوين. اللافت في أعمال نصر استخدامه أحدث الخامات والتقنيات في عمله التشكيلي، معتمداً الألوان الزيتية التي لا تذبل مع الزمن. ففي المعرض لوحات يزيد عمرها على خمسين سنة، تراها كما لو أنها رسمت قبل يومين. ألوانها مشرقة وكثافتها باهرة. ومن اللوحات المميّزة في المعرض، تلك التي استوحاها من ألف ليلة وليلة، وأخرى رسمها خصيصاً لكوكب الشرق أم كلثوم التي أشادت بها حينها. كما قدّم نصر رؤيته الخاصة للريف بمحفزاته التقليدية ومكوناته التعبيرية التي تحوّل المشهد إلى حلم يزهو بالألوان والمفردات التي تكاد تسمع وأنت تنظر إليها نداءات الفلاحين في الحقل وتغريدات العصافير ونباح الكلاب وأصوات الغنم والماشية وأنين السواقي وخرير المياه. وكأن التعبير عن الصوت تحول إلى هدف يحاول نصر الوصول إليه من خلال ريشته. «تحمل الفرشاة بين شعيراتها كثيراً من المشاعر والأحاسيس التي تتدفق بنعومة على سطح اللوحة»، يقول نصر بلغته الصامتة التي ترجمها مدير أعماله أحمد عباس. ويضيف: «الفرشاة هي التي تجمّل الحياة من حولك، لتشعرك بأجمل إحساس وتسقط عنك سلبياتك، فتشع ثورة وفناً. كما يمكنها أن تتحدث بفصاحة من دون أن تنطق، فتتحول الأشكال النمطية إلى صياغات وقيم جديدة». ويوضح أنه يشحن فرشاة الألوان، ثم يبدأ من حافة الورقة، ويرسم، «فأتخلص من كل مشاعري القديمة لأن المستقبل لا ينتظر أحداً». ويرى رئيس مجلس إدارة جمعية «أصداء» سامي سعيد أن علي نصر «نجح عبر مسيرته الفنية الطويلة في التعبير عن آلام النفس البشرية. ويلاحظ المتذوق الفنَّ أنه يعبر عن آلامه باللون والضوء والظلال بمباشرة محببة إلى القلب. وهو بسيط وجميل ومتفائل على رغم الهموم التي يحملها أبطال لوحاته».