بين السجن والإبعاد وضغط نظام عسكري حاكم وتقاليد سلطة دولة وتواطؤ رجال سياسة ونفوذ مع المافيا المحلية والعالمية، تناضل مجموعة من النساء من أجل حقوق الإنسان داخل بلدانهن. وقدن مسيرة التمرد في مواجهة الظلم والاضطهاد والعنف والإرهاب، ومن أجل مستقبل أفضل والعيش بسلام، لهذا تسلحن بالنضال السلمي وكرسن حياتهن لخدمة قضية شعبهن ومساعدته بالكلمة والحرف وعبر الانترنت ومن خلال تضميد الجراح والطبابة خلسة على الحدود. عرف قسم من هذه النسوة المناضلات السجن والتعذيب، فيما عاش البعض الآخر في المنافي. لكنهن ناضلن وحركن قوى المعارضة داخل البلاد وجمعن شملها في الخارج، والأهم انهن لفتن انتباه الرأي العام العالمي لما يحدث في الداخل، بعضهن ناضلن من أجل السلام والعدالة الاجتماعية، وغيرهن واجهن قانون الصمت والتستر على عصابات المافيا والفساد الذي يطال رجال الحكم. هؤلاء المبعدات خارج أرض وطنهن يمثلن صوت الحرية التي تخنقها سلطات الداخل كما يمثلن الأمل بمستقبل أفضل. نبدأ رحلتنا مع المدافعات عن حقوق الإنسان في بورما، وهن أربع، ثلاث منهن يعشن في المنفى، والأخرى تحت الإقامة الجبرية، وهي تمثل رمز الحرية والنضال لأبناء الشعب الذي يطلق عليها اسم "السيدة". ويحكم بورما طغمة جنرالات لا تعرف ولا تعترف بالحرية الفردية والعامة ولا بحقوق الإنسان. وتعتبر "السيدة" الأمل الوحيد لشعب محروم من كل شيء. ونالت أونغ جائزة نوبل للسلام عام 1990، ومنذ 30 أيار مايو من العام الماضي تعيش رهينة السلطة الحاكمة التي تحاول منذ سنوات التخلص منها وتهميش حزبها. وتعرضت سيدة بورما إلى محاولتي اغتيال فاشلتين في السنوات الأخيرة، ويبدو أن السلطة الحاكمة التي تقف وراء محاولات الاغتيال، قررت التخلص منها، على رغم الضغوط الدولية وعدم السماح لها أو اعطائها الفرصة إلى مخاطبة الشعب واثبات مدى تعلق هذا الأخير بها. كما يرفض الجنرالات رؤية حزبها "الاتحاد الوطني الديموقراطي" الظهور بقوة بعد كل فترة اعتقال تتعرض لها. لذلك تقوم السلطة وبشكل دائم، باعتقال ناشطي الاتحاد وابتزازهم بالتهديد والرشوة من أجل تقديم استقالاتهم من الحزب. كما عهدت إلى اقفال مراكزه الفرعية في أنحاء البلاد من دون أسباب معينة. ومنذ إلقاء القبض على أونغ ترفض السلطات المحلية اعطاء أي معلومات عن حالتها الصحية. وأول خبر عن وجودها حية، تسرب مع تأكيدات مندوب الأممالمتحدة الديبلوماسي الماليزي اسماعيل رازالي الذي التقى بها لفترة وجيزة في أيلول سبتمبر الماضي، ثم انقطعت أخبارها منذ آذار مارس المنصرم بعد لقائها مع ممثل الصليب الأحمر الدولي ومندوبين من الأممالمتحدة، علماً انها أجرت عملية جراحية. وعلى مدى 16 سنة الأخيرة تبلغ من العمر 59 سنة، لم تعرف سيدة بورما سوى 3 سنوات من الحرية. الطبيبة سينتيا مونغ، هي المناضلة الثانية من أجل حقوق الإنسان في بورما، والتي تتخذ من عيادتها الصغيرة في إحدى البلدات الواقعة بين حدود تايلاند وبورما، والتي تحولت مع مرور الزمن إلى مركز طبي لا تتجرأ سلطات تايلاند على المسّ به. استقبلت مونغ في عيادتها البسيطة منذ عام 1989 آلاف اللاجئين والمتعرضين للعنف في بورما وقدمت العناية اللازمة لضحايا الحرب التي يشنها جيش بورما ضد الأقليات في البلاد. وهي ابنة إحدى الأقليات التي تعرضت إلى ضغوط وعنف كبيرين في بلادها. الأمر الذي دفعها للهروب إلى تايلاند وأقامت عيادتها. ولعبت الشهرة العالمية التي حظيت بها مونغ دوراً في منع سلطات تايلاند من تدمير العيادة ومنعها من ممارسة مهنتها، على رغم معارضتها دخول آلاف اللاجئين إلى البلاد سراً. مع مرور الوقت، تحولت العيادة إلى مركز طبي يعدّ الممرضين ليساعدوا بدورهم المرضى والجرحى داخل بورما، فيما اعتبرته الطغمة الحاكمة ملجأ سرياً للمقاومة، لكنها لم تتجرأ على حرقه كما حدث في مخيمات اللجوء الكثيرة في تايلاند. مونغ كانت اول الحائزين على جائزة جوناثان مان لخدمة الصحة العامة ولحقوق الانسان عام 1998 وايضاً لجائزة "ماغايساي آوارد" المسماة "جائزة نوبل الآسيوية للسلام" لكن الطبيبة لم تستطع الخروج من تايلاند لتسلم جوائزها كونها لا تملك اوراق هوية، فقد تركتها في بورما لدى هروبها في اضطرابات عام 1988 الدامية. أما هسنغ نونغ فهي مناضلة من نوع آخر وهي مطلوبة من سلطة بورما التي وضعت جائزة لمن يرشد الى مكان اختفائها، وهي تعيش في تايلاند وترأس اتحاد نساء بورما الذي يقوم باستمرار بفضح تجاوزات الجيش على الاقليات الدينية في البلاد خصوصاً اغتصاب النساء. وبالفعل استطاع الاتحاد جمع اكثر من 625 شهادة عن عمليات الاغتصاب تلك، ما دفع بالمؤسسات الانسانية العالمية إلى التحقيق في هذه الاحداث وتكذيب نفي السلطات لها. تبلغ هسنغ اليوم الاربعين من العمر، التحقت وهي في سن السادسة عشرة بصفوف العصابات المسلحة التابعة للحركة الوطنية "شان" ثم تعرفت على زوجها الحالي الصحافي السويدي لينتفر واستقرت معه في تايلاند بعد هروبها. وفي عام 1986 وبعد نشرهما مقالاً اثار غضب السلطات اضطر الزوجان الى الهرب مع طفلتهما المولودة حديثاً غير ان السلطات الصينية القت القبض عليهما وأبعدتهما الى هونغ كونغ ومن ثم الى تايلاند. اسست هسنغ عام 1999 لجنة العمل النسائية التي اصبحت في ما بعد جزءاً من اتحاد نساء بورما. وبعد ثلاث سنوات نشرت تقريراً تحت عنوان "رخصة للاغتصاب" الذي اثار ضجة كبيرة ارسلت بسببه الاممالمتحدة محققاً للنظر في دعاوى الاغتصابات ووضع حد لها. "إذا اتحدت العناكب تستطيع التغلب على الاسد". هذا المثل القادم من اثيوبيا هو الستار الذي اتخذته مورين - اونغ توين ابنة بورما رمزاً لقوة الانترنت في المقاومة. مورين خريجة احدى الجامعات الاميركية وصحافية سابقة في هونغ كونغ، تركت كل شيء عندما سنحت لها الفرصة بتنظيم شبكة معلوماتية تؤمن سير الاتصالات من خلال الانترنت، مع المقاومة داخل بورما وخارجها. واستطاعت بواسطة موقع "خيوط العنكبوت" جمع شمل التنظيمات والجهات المعارضة لنظام الحكم وتبادل المعلومات إضافة للكتب وشرائط الفيديو التي اخذت تدخل البلاد سراً وبشكل منتظم. وهذا الامر يعتبر بذاته ثورة ضد الحكم الذي يمنع دخول الصحف الاجنبية ويراقب كل خبر في الاعلام المحلي. وبفضل "خيوط العنكبوت" استطاع الرأي العام تتبع اخبار العنف والاعتقالات والاغتصابات التي تبث على شاشة الانترنت، وتقدم للرأي العام العالمي الدليل الحي على انتهاكات حقوق الانسان. وبفضل مورين يسمع المناضلون في العالم صوت سيدة بورما يردد: "استخدموا حريتكم لتحقيق حريتنا"