الناظر في الأدب العربي يجد أن شهر رمضان المبارك شكل أدباً إسلامياً تجلى على ألسنة الشعراء الذين صوروا فيض الشهر الفضيل ونفحاته، وعبروا عن فرحتهم بمقدمه، وحزنهم لوداعه، ودعَوا المسلمين إلى اقتناص فرصة حلوله للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بفعل الطاعات والخيرات والبعد عن المعاصي. فوصف الشاعرُ أحمد شوقي الشهر المبارك، فقال: "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، ولكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب، وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، ويكسر الكِبر، ويعلم الصَّبر، ويسِنُّ خِلالَ الْبِرِّ، إذا جاع مَن ألِفَ الشبع، وحرِمَ الْمُترِف أسبابَ الْمُتع، عرفَ الحرمانَ كيف يقع، والجوعَ كيف ألَمُهُ إذا لَذَع". ويقول الشاعر الصَّابئ في الذين يصومون عن الطعام فقط، ولا يصومون عن المفطرات الأُخرى، مثل النظر إلى المحرمات، وممارسة الغيبة والنميمة والوشاية، فيدعوهم إلى التخلي عن العيوب والآثام: يا ذا الذي صام عن الطعام ليتك صُمتَ عن الظلمِ هل ينفع الصومُ امرأً طالما أحشاؤه ملأى من الإثْمِ ويؤكِّدُ أمير الشعراء أحمد شوقي هذه المعاني نفسها بقوله: يا مُديم الصوم في الشهر الكريم صُمْ عن الغيبة يوماً والنَّمِيْم ويقول شوقي: وصَلِّ صلاة مَن يرجُو ويخشى وقَبْلَ الصَّوم، صُمْ عن كُل فحْشَا التهنئة بقدوم رمضان ومن الأشعار الرمضانية قصائد التهنئة بقدوم الشهر، ووداعه، وقد نظم في هذا الباب الشاعر هبة الله بن سناء الملك، فقال في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة: تَهَنَّ بِهذا الصوم يا خَيْرَ صَائِرٍ إلى كُلِّ ما يهوى ويا خَيْرَ صَائِمِ ومَنْ صام عن كلِّ الفواحِشِ عُمْرهُ فأهْوَنُ شَيءٍ هجرُهُ لِلمطاعِمِ ويقول الشاعر عمارة اليمني: وَهُنِّئْتَ من شهْرِ الصِّيامِ بزائِرٍ مُناهُ لو انَّ الشَّهر عِندَك أشهُرُ وما العِيدُ إلاَّ أنتَ فانظُرْ هِلالَهُ فمَا هُوَ إلاَّ في عَدُوِّكَ خَنْجَرُ ولم يقتصر الأدب الرمضاني على الشعراء المعروفين بالتقوى بل شمل الذين عُرفوا بالاستهتار أيضا، فأبو نواس الحسن بن هانئ كان يتململ من شهر رمضان ومع ذلك فهو يحبه، ويتوسل إلى ربه أن يطيله حيث يقول: شهرُ الصيام غداً مُواجهُنا فلْيَعقبنَّ رعية النُّسكِ أيامَهُ كوني سِنينَ، و لا تَفنِي فلَسْتُ بسائِمٍ مِنكِ ومما قاله أبو نواس في أواخر سنوات حياته: يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمتُ بأن عفوَك أعظمُ إنْ كان لا يرجوك إلا مُحسِن فبمَن يلوذ ويستجيرُ المجرمُ أدعوك رب كما أمرت تضرُّعاً فإذا رَدَدْتَ يدي فمَن ذا يرحَمُ صلاة التراويح يذكر المؤرخون وكُتَّاب السِّيَرِ: أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قد جَمَعَ المصلين في صلاة التراويح خلف إمام واحد، وكان ذلك في السنة الثانية من خلافته الراشدة، وقد قال أحد الشعراء معبراً عن ذلك: جاء الصيامُ فجاء الخيرُ أجمعه ترتيلُ ذِكْرٍ وتحميدٌ وتسبيحُ فالنفسُ تدأبُ في قولٍ وفي عملِ صوم النهار وبالليل التراويحُ سُفرَة رمضان في رمضان يقتصد العقلاء في تناول الطعام، فينجون من التخمة التي يعاني منها الشرهون، وفي هذا المعنى يقول الشاعر معروف الرصافي: وأغبى العالمين فتىً أكولٌ لفِطنتهِ ببطنتهِ انْهِزامُ ولو أني استطعتُ صيامَ دهري لَصمتُ فكان دَيدَنِيَ الصِّيامُ ولكنْ لا أصومُ صيامَ قومٍ تكاثرَ في فطورِهم الطّعامُ فإن وَضحَ النهارُ طَوَوْا جياعاً وقد هَمُّوا إذا اختلَطَ الظَّلامُ وقالوا: يا نهارُ لئنْ تُجِعْنا فإنَّ الليلَ منكَ لنَا انتِقامُ وناموا مُتخَمِين على امتِلاءٍ وقد يتجشؤون وهُمْ نِيامُ فَقُلْ لِلصَّائِمين أدَاء فَرْضٍ أَلاْ مَاْ هَكَذَا فُرْضَ الصِّيامُ لئن ذمَّ الرصافي كثرة الأكل فقد سبقه الشاعر ابن نباتة الذي أعجبته حلويات رمضان المبارك فقال: رَعا اللهُ نعمَاكَ التي مِن أقلِّها قَطائِف مِن قَطْرِ النَّباتِ لَها قَطْرُ أمُدُّ لَهُ كَفِّي فأهتزُّ فَرْحَةً كَمَا انتفضَ العُصفورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ صور الشعراء الأجواء الرمضانية، وأحوال الصوم والصائمين، ومنهم الشاعر مصطفى حمام الذي يقول: حدّثونا عن راحة القيدِ فيه حدثونا عن نِعمةِ الحرمان هو للناس قاهرٌ دون قهرٍ وهو سلطانهم بلا سُلطانِ قال: جوعوا نهارَكم فأطاعوا خُشَّعاً، يلهجون بالشكرانِ إنَّ أيامك الثلاثين تمضي كلذيذِ الأحلام للوسنانِ كلّما سرّني قدومُك أشجا - ني نذيرُ الفراق والهجرانِ وستأتي بعد النوى ثم تأتي يا ترى: هل لنا لقاءٌ ثانِ؟ في وداع رمضان المؤمنون الأتقياء يعلنون فرحتهم بقدوم شهر رمضان المبارك، فإذا ما أوشك الشهر على الانتهاء يودعونه مثلما يودعون أحبتهم، وقد عبر عن هذه الظاهرة الشاعر الأبيوردي الذي ودَّع رمضان قائلاً: صَومٌ أغارَ عليه فِطْرُ كالنجم برّ سناه جمرُ بِنْ يا صيامُ فلَمْ تزَلْ فرعًا له الإفطارُ بحرُ وله الشهورُ وإنما لك من جميع الْحَوْلِ شَهْرُ ما كنتَ أول راحلٍ وُدِّعْتَ بالزفرات جَمْرُ كالظعن ليلة فاحَ فِي خيب التفرُّقِ منه عِطْرُ وقد صور أحد الشعراء أحاسيسه، وحزنه على فراق شهر رمضان فقال: أيُّ شهرٍ قد توَلَّىْ مَرَّ بالغفلةِ عَنَّا؟ حقَّ أنْ نبكي عليهِ بدِماءٍ لَوْ عقلْنا كيفَ لا نبكي لشهرٍ يا عبادَ الله عَنَّا ثم لا نعلم أنّا قد قُبِلْنَا أَمْ حُرمنا ليت شِعري مَن هُوَ الْمَحرومُ والمطرُوْدُ مِنَّا ينتهز الكثير من الناس الشهر الفضيل لفعل الخير وإطعام الفقراء والمساكين، حيث تفتح المجالس أبوابها، ولكن ذلك كان يضايق بعض الشعراء المتسكعين الذين يهجون تلك الظاهرة، ومما رواه الأصفهاني في كتاب الأغاني قوله: أخبرني هاشم بن محمدٍ الخزاعي، قال: حدثني العنزي، قال: كان الشاعر عبد الصمد بن المعذل يستثقل رجلاً من ولد جعفر بن سليمان بن علي يُعْرَفُ بالْفَرَّاْشِ، وكان لِلْفَرَّاْشِ ابنٌ أثقل منه، وكانا يُفْطِران في رمضان عند نائب أمير البصرة المنذر بن عمرو، وكان الْفَرَّاْشُ يؤمُّ الْحاضرين في صلاة المغرب، ثم يجلس فيفطِر هو وابنه عند نائب الأمير، فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما، فقال الشاعر عبدالصمد بن المعذل: غَدَرَ الزمانُ وليتَهُ لم يَغدُرِ وحَدَا بشهر الصوم فطرُ الْمُفْطِرِ وتقاسَمَتك صبابتان لِبينهِ أسف المشوق وخلَّة المتفكرِ فاسْتَبْقِ عَينك واحْشُ قلبَكَ يأسَهُ واقرِ السَّلام على خوان الْمُنْذِرِ سقياً لِدَهرك إذ تروَّحَ يومه والشمس في علياء لم تتهورِ حتى تنيخ بكَلكَلٍ مُتزاورٍ وَتَمدُّ بلْعُوماً قموْصَ الْحُنْجُرِ وَتَرُوْدُ منكَ على الْخوانِ أناملٌ تدَعُ الخوان سَرابَ قاعٍ مُقْفِرِ وَيْحَ الصّحاف من ابْنِ فَرَّاْشٍ إذا أَنْحَى عَليها كالْهِزبْرِ الْهَيْصَرِ ذُوْ دُرْبَةٍ طبٌ إذا لمعت له بشرُ الخوان بَدا بِحَلِّ الْمِئزرِ ودَّ ابْنُ فَرَّاشٍ وَفَرَّاشٌ مَعاً لو أن شَهْرَ الصَّومِ مُدَّةَ أَشْهُرِ يُزْرِي على الإسلام قِلَّةَ صَبرهِ وتراهُ يَحمدُ عدَّة الْمُتنصِرِ لا تَهْلَكَنَّ على الصِّيام صَبابةً سَيَعُوْدُ شَهْرُكَ قَاْبِلاً فَاسْتَبْشِرِ هذا غيض من فيض مما قاله الشعراء في شهر الصيام