سيتذكرها عالم السينما طويلاً، فهي فازت ليلة 24 آذار مارس 2002 بجائزة الاوسكار كأحسن ممثلة عن دورها في الفيلم الجميل "مونسترز بول" Monsters Ball "كرة الوحش" الذي تقاسمت بطولته مع بيلي بوب ثورنتون زوج الممثلة انجلينا جولي الملقبة بقنبلة السينما القاتلة منذ ان ادت بطولة فيلم "لارا كروفت" في العام الماضي. اللافت في حكاية فوز هالي بيري بالاوسكار انها اول ممثلة سوداء تحصد مثل هذا الشرف في تاريخ الولاياتالمتحدة. وقد يكون الامر طريفاً ومثيراً ان نلتقيها مرة ثانية لتقول رأيها في هذا الفوز بعدما كانت قالت لنا انها لا تصدق احتمال فوزها نظراً الى استمرار العنصرية الاميركية في العلاقات بين البيض والسود. وقبل ان يصل الامر بهالي بيري الى الاوسكار وهي في الثالثة والثلاثين عاشت الفنانة سنوات من الشقاء والسعي وراء ادوار تفرض بواسطتها شخصيتها الفنية وتقنع اهل هوليوود بموهبتها. فهي ظهرت في عشرات الافلام شبه الفاشلة او في افلام جيدة ولكن من دون ان تتجاوز فترة عبورها فوق الشاشة العشر دقائق مما لم يسمح بملاحظتها طبعاً. الى ان منحها التلفزيون فرصة من ذهب في 1998 عن طريق تمثيل شخصية الممثلة الزنجية الراحلة دوروثي داندريدج التي لمعت في الخمسينات ثم ماتت ضحية المرض بعدما عانت الكثير بسبب العنصرية وعاشت اياماً قاسية شهدت خلالها انهيار سمعتها وشهرتها على ايدي الاعلام الاميركي لمجرد ان لون بشرتها لم يصلح لتسلق سلم المجد. جلب الدور لهالي بيري تقدير الأوساط الهوليوودية فهي لعبته باقتناع فاق حد التمثيل البحت، وبدأت اثره تتلقى العروض السينمائية الجيدة الى ان تسلمت سيناريو فيلم "سوردفيش" SWORD FISH الذي يتضمن دوراً كبيراً لها الى جوار جون ترافولتا. وجاء تردد هالي الوحيد بسبب مشهد اقتضى ظهورها مجردة من نصف ثيابها، فهل لم ترغب في اعطاء صورة مثيرة او مغرية عنها او عن النساء الزنجيات عامة في اميركا. وعرف المخرج كيف يقنعها بالموافقة مستخدماً سلاح السيناريو الذي يفسر بوضوح كيف تلعب هذه المرأة، وهي عميلة سرية، بالرجال وتفعل كل ما هو ضروري لاسقاطهم في حبالها، واضاف الى كلامه الحلو موافقة مكتوبة من المنتج باضافة مليون دولار الى اجر هالي اذا وافقت على التمثيل مجردة من نصف ثيابها. وهكذا صارت هالي بيري نجمة الاغراء الهوليوودية الجديدة فهي انتقلت في ما بعد من العري الجزئي الى الكلي في "كرة الوحش" وفي لقطة طويلة وحميمة مع بيلي بوب ثورنتون مما لم يمنعها من الفوز بجائزة الاوسكار، فتفوقت بذلك على شارون ستون التي بنت شهرتها ايضاً على الاغراء والتخلي عن ثيابها امام الكاميرا. لقد عاشت هالي بيري طفولة صعبة وممزقة بين ام شجاعة لم تعرف سوى العطاء وأب امضى حياته اما في الحانات يدمن الكحول واما في المنزل ينهال بالضرب على زوجته واولاده بمناسبة ومن دون مناسبة. عندما بلغت هالي السادسة عشرة فرّت من بيت اهلها وشاركت في مسابقات جمال فازت بها كلها مما جلب لها بعض المال والاستقلال الذاتي، فبدأت تتعلم الرقص والتمثيل في معاهد متخصصة ثم تزوجت اول شاب باح لها بأنها اجمل فتاة عرفها في حياته، لكن سرعان ما اكتشفت الشابة الحلوة خطأها وطلبت الطلاق خائفة من ان تكرر المأساة التي عاشتها والدتها في الماضي، فقد كان زوجها يضربها باستمرار ويهددها بالقتل اذا روت تفاصيل حياتهما لأي شخص غريب. وبعد مغامرة عاطفية ثانية من النوع المأسوي نفسه عثرت هالي اخيراً على السعادة في شخص الموسيقي ايريك بينيت فتزوجته واعترفت ل"الوسط" بأنها الآن أسعد امرأة في العالم. سعادة لا شك في كونها ستبلغ ذروتها في الفترة المقبلة بعدما حققت هالي حلمها بالنجومية المبنية على ادوار جذابة خصوصاً تلك التي تجلب في النهاية جائزة الاوسكار. قبل ايام قليلة من نيلها الاوسكار جاءت هالي بيري الى باريس لتساهم في ترويج فيلمها "كرة الوحش" فالتقتها "الوسط" في هذا الحوار. كيف تعيشين شهرتك المبنية على الاثارة بسبب اللقطات الجريئة التي وافقت على تمثيلها في فيلم "سوردفيش" والتي جلبت لك جمهوراً يتكون اساساً من الرجال؟ - انا سعيدة جداً بالشعبية التي نالها الفيلم، حتى إذا كانت الشخصية التي مثلتها فيه جردتني بعض الشيء من الرومانسية ومن نصف ثيابي. وعلى العموم لست ضد الاعمال الفنية التي تعطي صورة مختلفة عن المرأة بالنسبة الى ما اعتادت هوليوود تقديمه، فالمهم في الحكاية العثور على فرصة لاثبات الكيان الذاتي ولفت الانتباه بشكل عام. وانا اعتبر نفسي محظوظة لأنني انتهزت فرصة رواج "سوردفيش" وفرضت اسمي على مخرجين اقتنعوا في النهاية بصلاحيتي لاداء الدراما والعاطفة بعدما كانوا يفرضون استقبالي في مكاتبهم اذا اتصلت بهم. وبالنسبة الى كون جمهوري الاساسي هو من الذكور فلا يزعجني الأمر أبداً وان كنت متأكدة من ان النساء شاهدن الفيلم ولو بهدف تقليدي أو تحطيمي عن طريق فحص جسدي بالمنظار المكبر والعثور فيه على عيوب. وانا اقول لهن بصوت عال: "نعم لديّ بعض العيوب مثل العالم كله لكنني احولها الى مزايا تزيد من جاذبيتي في نظر الرجال، لا اكثر ولا اقل". وهل يعتقدن بأن مارلين مونرو وآفا غاردنر وبريجيت باردو خسرن اي شيء على الصعيد السينمائي أو حتى الشخصي لأنهن جذبن جمهور الرجال اساساً وبشكل واضح كان يصعب تجاهله فما الذي يجعلني مختلفة عنهن اذن؟ هل لهذا السبب ايضاً وافقت على الوقوف مجردة من ثيابك تماماً امام الكاميرا في فيلمك الجديد "كرة الوحش"؟ - صحيح انني مثّلت عارية في مشهد طويل جداً من هذا الفيلم لكنني لم اسقط في فخ الرخص ابداً بل بقيت في خدمة النص المكتوب وحسب، لأنني كنت مقتنعة بفكرة المخرج في شأن تخلص شخصيتي من ثيابها في موقف محدد. واعترف بأن المسألة لم تكن سهلة وبأني شعرت في اكثر من مرة برغبة ماسة في الفرار من الاستوديو عن طريق الباب الخلفي قبل دقائق من دخولي الى البلاتوه. وصدّق او لا تصدّق هذا الشيء، انني امرأة خجولة جداً. انت امرأة فارعة الطول وذات انوثة طاغية، فهل لعب مظهرك الدور الاساسي في حصولك على بطولة "سوردفيش"؟ - نعم ولا، لانني خارج الدور لا اشبه هذه المرأة، فما حدث هو تقمصي شخصيتها في ادق التفاصيل وقيامي بدرس حركاتها وطريقتها في الكلام وتعبيراتها القاسية، وكل ذلك اثناء الاختبار الذي سبق حصولي على الدور. واستخدمت مظهري وانوثتي لاضافة بعض الصدق الى المشاهد المثيرة، لكنني اظل ممثلة تؤدي دور عميلة سرية تلعب بجاذبيتها وبالرجال ولست امرأة رخيصة عثرت على فرصة للعمل في السينما. ماذا تفعلين بملايين الدولارات التي تربحينها الآن؟ - اعيش حياة الترف من ناحية واقتني ما يعجبني ولا انكر هذا الشيء، ثم من ناحية ثانية اساهم في نشاطات جمعية خيرية متخصصة في مساعدة النساء المصابات بسرطان الثدي، كما اسست شركتي الخاصة للانتاج السينمائي مما قد يغنيني عن اللجوء الى الغير من اجل الحصول على ادوار جميلة في المستقبل. عملتِ في فيلمك الأخير "كرة الوحش" الى جوار بيلي بوب ثورنتون، فما ذكرياتك عن هذه التجربة؟ - انا خبيرة في العمل الى جوار العمالقة، فقد شاركت ايدي ميرفي وجون غودمان وجون ترافولتا ووارن بيتي بطولات سينمائية تضمنت في بعض الاحيان لقطات حميمة، وسبق لي المقارنة بينهم من ناحية الخشونة والرجولة، واتذكر انني منحت اوسكار القبلات السينمائية لوران بيتي فلا عجب ان لقبه دون جوان هوليوود وانه احب في حياته قبل ان يتزوج من الزميلة انيت بينينغ، اكثر من الفي امرأة. وللرد على سؤالك الذي لا يتعلق بالقبلات بل ببيلي بوب ثورنتون كفنان كبير، سأقول انني احتفظ بأحلى الذكريات في شأن عملي معه في الفيلم. فانا كنت في حاجة لمساعدة معنوية قبل اداء اللقطات العاطفية قدمها لي بيلي بشكل اعجز عن وصفه، فهو ركّز جهوده على دوره من ناحية ثم على تشجيعي من جانب آخر وهذا ما لن انساه مدى الحياة، وثورنتون اكثر من مجرد فنان كبير، فهو رجل وانسان يستحق التقدير والاحترام واحسد انجلينا جولي على زواجها الحديث منه. ألا يغضب زوجك ايريك بينيت من تصريحاتك الخاصة عن خشونة زملائك من النجوم؟ - انا تزوجته لانه تجاوز هذه الشكليات ويتفادى الوقوع في فخ الغيرة، الا اذا كانت في محلها، وهو يعاملني كإمرأة ناضجة ولا يخضع لنزواتي الطفولية المكتسبة بسبب النجومية وانا اعيش معه حكاية حب خيالية سببها الاساسي انني عثرت فيه على رجل مدهش. انت مرشحة لجائزة الاوسكار قبل ان تنالها وهذا حدث فريد من نوعه بالنسبة الى ممثلة سوداء، فما رأيك في تطور العقلية الاميركية بهذا الصدد؟ - رأيي ان العقليات لم تتطور بما فيه الكفاية في اميركا، فإذا كنا قد رُشحنا للجائزة انا وزميلي الاسود ايضاً دنزيل واشنطن فإنني لا اتخيل ان احدنا سيفوز حقيقة بها، فالعملية ستتوقف عند حد الترشيح وحسب. ما الذي يجعلك تقولين مثل هذا الكلام؟ - انا مثلت فيلماً روى حياة الممثلة الراحلة دوروثي داندريدج وهي دفعت حياتها ثمن لون بشرتها السوداء في هوليوود. صحيح ان الحكاية تعود الى الستينات، لكن صدّقني اذا قلت لك ان التغيرات في بلدي تدور في المظاهر اكثر مما تحدث فعلاً وان العنصرية لا تزال راسخة في العقول، خصوصاً في الوسط السينمائي المتفوق في النفاق، وهذا كله لا يمنعني من الشعور بشيء من الفخر كوني مرشحة للاوسكار. هل تعتبرين نفسك بمثابة قدوة للفنانات الزنجيات في الولاياتالمتحدة اذن؟ - كل ما اقدر على التصريح به هو انني اتمنى مشاهدة زميلاتي الزنجيات في ادوار ممتازة وليس فقط في الافلام التي تروي حكايات تدور احداثها في احياء الزنوج، بل في اعمال عادية تتضمن شخصياتها امرأة سوداء مثل ما حدث معي في "سوردفيش" وثم "رقصة الوحش"، اما عن تحولي الى قدوة فهو شيء في علم الغيب والتاريخ السينمائي وحده سيملك الرد في يوم ما على سؤالك هذا