آخر هذا الاسبوع سيكون "يوم الحسم". ويوم الحسم هذا لا علاقة له بمعركة عسكرية أو انتخابات سياسية أو تشريعية، ومع هذا شغل الكثيرين طوال الشهور السابقة بأكثر مما كان من شأن هذه أن تفعل. ومن بين هؤلاء الكثيرين، طبعاً، أهل المهنة السينمائية، داخل الولاياتالمتحدة الاميركية وخارجها. داخلها أولاً لأن المسألة مسألة اعلان اسماء الفائزين بجوائز "الأكاديمية الأميركية" المعروفة باسم "جوائز الأوسكار"، وهي - كما نعرف - جوائز تمنح لأفضل الأفلام، من بين ما عرض خلال العام المنصرم. وخارج الولاياتالمتحدة لأن هذه الجوائز السينمائية الأميركية الرفيعة هي من الكرم بحيث تلتفت في طريقها الى بعض السينمات الخارجية. وليس فقط في فئة "أفضل فيلم أجنبي". وايضاً لأن منح الجائزة - التي يشارك في تعيين الرابحين فيها ألوف من أهل المهن السينمائية الأميركية - ينم عادة عن أي تبدّل حاصل في الذهنية السينمائية الأميركية، وبالتالي في الذهنية الأميركية ككل. ولأن شيئاً له علاقة بهذه الذهنية بات يمكنه أكثر وأكثر أن يوثر في الأوضاع في العالم، يصح أن ينظر الناس بجدية الى شكل التعبير "الأوسكاري" هذا عنها. تأثيرات أيلول ويقيناً ان ما حدث يوم 11 أيلول سبتمبر المنصرم حضر في الأذهان، ليس فقط في اعطاء الجوائز، بل ايضاً وبخاصة في الترشيحات نفسها. فهذه المرة يلاحظ تضاؤل حصة أفلام العنف. - وعلى عكس ما كان يمكن ان يُتوقّع - على الأفلام المنفتحة بشكل أو بآخر على الخارج. ولكأن أهل المهنة الأميركيين شاءوا ان ينقضوا من تحدث عن "عزلة أميركية" تلي فاجعة ايلول، وما تلاها من ضربة أميركية عسكرية ل"طالبان" و"القاعدة" أسفرت عن اعادة شيئ من العقلانية والعصر الى الحكم والسياسة في أفغانستان ولو... الى حين. وهذا ما يبدو واضحاً منذ ترشيحات جائزة "أفضل فيلم" وهي قمة الجوائز بالطبع. فالأفلام الخمسة المرشحة في هذه الفئة هي "عقل جميل" لرون هوارد، و"بارك غوسفورد" لروبرت آلتمان، و"في المخدع" وهو فيلم أول لتود فيلد، و"سيد الخواتم" لبيتر جاكسون واخيراً "الطاحونة الحمراء" لباز ليرمان. فما الذي نلاحظه هنا؟ أولاً أن اثنين من مخرجي هذه الأفلام استراليان ليرمان وجاكسون. أولهما صور فيلمه في استراليا عن أحداث فرنسية بأبطال انكليز واستراليين، والثاني صور فيلمه في نيوزيلندا، عن رواية انكليزية وممثلين أكثرهم من الانكليز. أما "بارك غوسفورد" فإنه فيلم انكليزي خالص لأميركي "منشق" اقرأ عن آلتمان وانشقاقه في مكان آخر من هذه الصفحة. ولئن كان "عقل جميل" أميركياً، فإن موضوعه "الشيزوفريني" يعكس انفتاح أميركا على العالم، من خلال جائزة نوبل للرياضيات التي يفوز بها بطله ويلعب دوره الاسترالي راسل كراو. وحده "في المخدع" أميري خالص، وهو على أي حال، الاضأل حظاً في الفوز بالجائزة التي يفترض ان تتأرجح بين "سيد الخواتم" و"عقل جميل". ومخرج هذا الأخير، الذي سبق ان عرفناه مراهقاً كواحد من شخصيات مسلسل "الأيام السعيدة" التلفزيوني الشهير، مرشح للفوز بجائزة أفضل مخرج، عن الفيلم نفسه، لكنه يخوض منافسة عنيفة - لن تكون في مصلحته بأي حال - ضد بيتر جاكسون وروبرت آلتمان - الذي قد يكون هو "فلتة الشوط" لكي تبدي هوليوود من خلال اختياره وهو الذي لا يكف عن شتمها، واحتقار كل ما يمت الى الحضارة الأميركية بصلة، أقصى درجات التسامح. وفي هذه الفئة عينها نلاحظ وجود اسمين كبيرين مرشحين ايضاً، من دون ان يرشح فيلماهما لجائزة أفضل فيلم وهما: ديفيد لينش عن فيلمه الساحر "مالهولاند درايف" الذي يفضح، من خلال الجنس والجريمة والانفصام، بعض سمات هوليوود نفسها" وردلي سكوت الذي حقق هذا العام "سقوط الصقر الأسود" عن التدخل الأميركي الكارثي في الصومال قبل سنوات. "عيب" ردلي سكوت الوحيد هو أنه فاز بالجائزة غير مرة من قبل، ولا سيما في العام الماضي حين اكتسح فيلمه "المصارع" جوائز الأوسكار. ولئن كان من المفروض أن يسري هذا "العيب" أو نقطة الضعف بالأحرى على بطل "المصارع" وفائز العام الفائت راسل كراو، المرشح هذا العام ايضاً عن دوره في "عقل جميل" لأوسكار أفضل ممثل، فإنه يبدو الأكثر رجحاناً، في مواجهة دنزل واشنطن عن "يوم التدريب"، وويل سميث عن "علي"، وسين بن عن "أنا سام" وأخيراً توم ولكنسون عن "في المخدع". واللافت هنا أنها المرة الأولى - على حد علمنا - التي تضم فيها ترشيحات هذه الجائزة، أسودين واشنطن وسميث، ويشكل من بينهما ويلي سميث منافساً حقيقياً للفوز بالجائزة، يسانده في هذا أنه يلعب في الفيلم دور الملاكم محمد علي ذي الشخصية المحبوبة في هوليوود، والذي يمكن مكافأته مواربة، بسبب مواقفه المسايرة للحكومة الأميركية من موضوع الارهاب أخيراً. لو فاز سميث ستكون واحدة من المرات النادرة التي يصل فيها فنان أميركي أسود الى هذا الفوز. سود نادرون لكن ويلي سميث ليس وحده هنا. ففي فئة "أفضل ممثلة" ثمة كذلك سوداء رائعة الحسن مميزة الأداء، لو فازت، ستشكل سابقة منذ زمن طويل. انها هالي بيري، بطلة "كرة الوطن" "في ظل الحقد" في ترجمات أوروبية وهو الفيلم المفاجأة الذي يحلق عالياً اليوم، وتبدع فيه هالي الى جانب بيلي بوب ثورنتون. لافت في هذا السياق ان اكتشاف أهل السينما لهالي بيري، بدأ قبل سنوات حيث قامت بدور دوروثي داندردج، في فيلم يحكي حياة هذه الأخيرة، بطلة "بورغي وبس" لاونو برمنغر، والتي كانت... أول سوداء ترشحها هوليوود لجائزة "أوسكار" أفضل ممثلة. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تكون هالي فلتة الشوط هنا" ليس بالتأكيد، ذلك انها في هذه الفئة تواجه علاقة من الجيل القديم الانكليزية جودي دنش، عن فيلم "ايريس" الذي يروي حياة الكاتبة الانكليزية آيريس ماردوك وآلامها وعلاقة من الجيل الجديد نيكول كيدمان التي يكاد فوزها يكون مضموناً عن دورها الرائع في "الطاحونة الحمراء" وفاتنتين اخريين هما سيسي سبايسيك التي كانت رشحت للجائزة خمس مرات على مدى تاريخها، وفازت في العام 1981 عن دورها في "ابنة عامل منجم الفحم" ورينيه زيلفيغير، التي تنضم هنا وعن دورها في فيلم "يوميات بردجت جونز" الى نادي "المؤسكرين"، ترشيحاً على الأقل، اذ ان فوزها مستبعد، في ظل تنافس تعلو فيه أسهم نيكول وسيسي على أسهم الأخريات. سيد الأفلام في الحديث عن الأسهم والأرقام، وبعد هذا الاستعراض للترشيحات الرئيسة، لا بد من الاشارة الى أن دورة "الأوسكار" لهذا العام تحمل الكثير من التجديدات، ناهيك بالرقم القياسي الذي يمثله ترشيح فيلم "سيد الخواتم" ل13 جائزة، وهو ما لم يتحقق من قبل حتى ولا لأفلام مثل "تايتانيك" و"ذهب مع الريح" و"لورانس العرب". و"سيد الخواتم" مرشح اضافة الى "جائزة أفضل فيلم" و"أفضل مخرج"، للجوائز الآتية: أفضل ممثل مساند إيان ماكلين، الذي ينافسه كل من جيم برودبنت - "آيريس" - ، وايثان هاوكي - "يوم التدريب" - ، وبن كينغسلي - "حيوان جنسي" - وجون نويت - "علي" - ، ويلاحظ ان كل هؤلاء من ممثلي الطبقة الأولى، ولمعظمهم بطولات مطلقة سابقة، "أفضل سيناريو مقتبس" تنافسه أفلام "عقل جميل" و"عالم الشبح" و"في المخدع" و"شرك" الذي فاجأ الجميع بأنه لم يرشح الى ما كان متوقعاً له ان يرشح من جوائز أساسية، أفضل ديكور، أفضل ملابس، أفضل توليف مونتاج، أفضل ماكياج، أفضل صوت، أفضل مؤثرات بصرية، أفضل موسيقى وأفضل أغنية... فماذا يبقى للآخرين؟ الكثير بالتأكيد، ولكن ليس أكثر مما يجب. ذلك ان الترجيحات لا الترشيحات تميل الى اعطاء "سيد الخواتم" ما بين 7 و8 جوائز ربما لن يكون من بينها "جائزة أفضل فيلم" للأسف وذلك بكل بساطة لأن أهل السينما الأميركيين، ومهما كان انفتاحهم في مجال الترشيح، سيكونون أكثر "وطنية" في مجال التهريج، فهم ومهما يكن من الأمر لا يمكنهم ان يعطوا كل شيء ل"الغرباء" حتى ولو كانوا ناطقين بالانكليزية - بريطانيين واستراليين أو نيوزيلانديين - ويزيد من حدة هذا الأمر أن هذا العام عام خاص، اذ للمرة الأولى، تقام احتفالات الأوسكار في مبنى خاص بها، مبنى مستعار من شركة "كوداك" هو عبارة عن مسرح رمم جزء منه وبني جزء آخر، لكي يوضع تماماً بتصرّف الأكاديمية خلال هذه الفترة. بقية ما تبقى واذ نوضح هذا نعود الى الترشيحات. في فئة "أفضل ممثلة مساندة" هناك ايضاً اسماء كبيرة، من أسماء الصف الأول: هيلين ميرن في "بارك "غوسفورد"، وهي انكليزية و"ماغي سميث" عن الفيلم نفسه وهي ايضاً انكليزية مخضرمة، وكيت وينزليت عن "ايريس" وهي ايضاً وايضاً انكليزية، ما يبقي للأميركيين جنيفر كونولي عن "عقل جميل" وماريزا تومي طعمة بحسب من يعيدون أصلها الى لبنان! عن "في المخدع". في فئة "أفضل سيناريو كتب خصيصاً": الفيلم الفرنسي "قدر إميلي الخرافي" وهو مرشح ايضاً لجائزة "أفضل فيلم أجنبي" و"جائزة الادارة الفنية" والمرجح أنه لن يفوز بأي جائزة بعد خيبته في "جوائز سيزار" الفرنسية، والى جانب "اميلي" هناك "بارك غوسفورد" و"ميمنتو" و"طابة الوحش" وأخيراً "رويال تاننباوم" الذي يبدو هنا "فلتة شوط حقيقية". والى جانب "اميلي" في فئة "أفضل فيلم أجنبي" هناك "ايلنغ" و"لاغون" و"ابن العروس" ثم بخاصة البوسني "أرض لا أحد" الذي يبدو بصفته المنافس الحقيقي والمرجح لإميلي، للفوز في هذه الفئة. وفي فئة "أفضل فيلم رسوم متحرّكة" هناك، طبعاً "شْرِكّ" الذي يعتبر الأكثر تعرّضاً للظلم، اذ كان المنطق يقول انه سيرشح لجوائز عدة، من بينها جائزة أفضل فيلم، لكن ذلك لم يحصل. والى جانب "شرك" هناك في هذه الفئة "وحوش وشركاؤهم" و"جيمي نيوترون" و"الصبي العبقري". خدعة هوليوودية؟ المسابقات المتبقية تقنية وتتراوح بين الديكور والصوت والموسيقى والأفلام القصيرة، وهي عادة لا تهم إلا أصحابها، أو في مجال مراكمة الجوائز بالنسبة الى أفلام تكون حققت فوزاً أكبر في فئات أكثر أهمية. والحال ان هذا النوع من الجوائز هو الذي يضخّم الأرقام عادة، ويوصل الى الأرقام القياسية. وفي هذا الاطار نلاحظ ان ثمة أسماء لأفلام تتكرّر. اذ هنا ايضاً، وكما أشرنا، يعود اسم "سيد الخواتم" مرات عدة. وكذلك حال "الطاحونة الحمراء" و"بارك غوسفورد" و"عقل جميل" ويحضر بغتة "هاري بوتر" و"سقوط الصقر الأسود" و"بيرل هاربر" و... "ذكاء اصطناعي" الذي كان تعاون فيه اثنان من أقطاب السينما المعاصرة، الراحل ستانلي كوبريك والمجتهد ستيفن سبيلبرغ، ليجد نفسه مذكوراً في فئة "أفضل مؤثرات صوتية... لا أكثر!... فهلاّ يكون مفيداً هنا أن نورد احصاء مسلياً عن عدد ترشيحات كل فيلم من الأفلام الرئيسة؟ "سيد الخواتم": 13 ترشيحاً كما أشرنا وهو رقم قياسي - "عقل جميل": 8 ترشيحات - "الطاحونة الحمراء": 8 ترشيحات - "بارك غوسفورد": 7 ترشيحات - "في المخدع": 5 ترشيحات - "قدر اميلي الخرافي": 4 ترشيحات - "سقوط الصقر الأسود": 3 ترشيحات. أما الترشيحات المتبقية ولا يقل عددها عن مئة فإنها تتوزّع، طبعاً، على نحو ستين فيلماً، من بينها أفلام مرّت مرور الكرام ولم يسمع بها أحد، وأفلام لفتت الأنظار. أفلام تفاجئ بحضورها غير المتوقع، وأخرى تفاجئ بتجاهل ما كان متوقعاً. وفي النهاية، هذا هو منطق الجوائز، وهذا هو منطق الأوسكار. أما النتيجة، أو النتائج، فبعد أيام قليلة. ولئن كانت الترشيحات كشفت عن ذهنية انفتاحية ندر أن كان لها مثيل في السابق، فإن هذه النتائج التي تعلن الاثنين المقبل، ستقول لنا هل هو انفتاح حقيقي واعد، أم خدعة... على الطريقة الهوليوودية.