يعرف الجمهور النجمة الأميركية سوزان ساراندون 60 سنة منذ ثلاثين سنة بفضل أفلامها الكوميدية والرومانسية في بداية مشوارها الفني، ثم الدرامية الواقعية في ما بعد مع تقدم ساراندون في العمر وانخراطها في حركة مبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة وإعلانها عن وجهة نظرها السياسية في شأن الموقف الأميركي من القضايا الدولية، الأمر الذي يضعها على قائمة الفنانين المعترضين على سياسة الرئيس جورج بوش الى جانب زوجها النجم تيم روبينز الذي يصغرها بأكثر من عشر سنوات علماً أن زواجهما يضرب به المثل في هوليوود. لمعت ساراندون في أعمال متنوعة لعل أبرزها"تيلما ولويز"في التسعينات من القرن العشرين، وهو الفيلم الذي سمح لها بكسر صورتها الرومانسية الناعمة التي لازمتها فوق الشاشة الفضية، وبتقديم الدليل على قدراتها الدرامية مؤدية دور إمرأة تفر من بيت الزوجية بسبب قيام زوجها بضربها في شكل مستمر، وهي تفعل ذلك في صحبة إمرأة أصغر منها. ويعتبر هذا الدور من أصعب ما مثلته ساراندون في مشوارها الفني حتى الآن، خصوصاً أنه تضمن مواقف جريئة لا سيما في الحوار المضاد للمجتمع الرجالي الذي يسيطر على العالم ويجعل المرأة مهما تحررت ظاهرياً، مغلوبة على أمرها. فازت ساراندون بجوائز عدة، بينها جائزة الأوسكار كأحسن ممثلة، وها هي تثبت مرة جديدة في فيلمها النازل حديثاً إلى الصالات"مستر وودكوك"أنها من أفضل ممثلات السينما الأميركية من حيث قدرتها على إثارة أقوى المشاعر لدى المتفرج مروراً من الضحك إلى الدموع في غمضة عين، وهي في هذا العمل تشارك البطولة النجم الأميركي بيلي بوب ثورنتون مؤدية شخصية إمرأة خمسينية تلفت انتباه رجل هو معلم الرياضة في المدرسة التي يتردد إليها ابنها المراهق. في باريس حيث جاءت ساراندون للترويج للشريط وحضور سهرته الافتتاحية، التقتها"الحياة"وحاورتها. كيف تتأقلمين كممثلة ستينية الآن مع الأوضاع السينمائية في هوليوود التي تحبذ ظهور الممثلات الشابات فوق الشاشة؟ - هذه العنصرية تراجعت في الوقت الحالي، وأنا أسميها فعلاً عنصرية ولا شيء غير ذلك، لقد تراجعت إذاً في شكل ملموس بعدما لاحظت الشركات المنتجة مدى رواج الأفلام التي تمثلها كل من ميريل ستريب وجسيكا لانغ وجينا ديفيز وأفلامي أنا أيضاً، لدى الجمهور العريض خصوصاً في ميدان الدراما. وإذا نظرنا إلى ميريل ستريب مثلاً، فهي تجلب ملايين الدولارات إلى شباك التذاكر مع كل فيلم جديد تشارك فيه. وهناك نقطة أساسية تلعب دورها في شكل فعال في هذا الشأن هي دخول نساء إلى الشركات المنتجة الضخمة وفي مناصب عليا جداً بل في أعلى منصب الذي هو رئاسة مجلس الإدارة. ولا يعني الأمر أن المرأة إذا ترأست شركة منتجة سوف تولي الأفضلية لتشغيل النساء الناضجات على حساب الربح التجاري، فلا يجب أن ننسى أن السينما فن ولكنها أيضاً تجارة وربما أنها أولاً تجارة على المستوى الهوليوودي. ولكن المرأة ستفكر في كيفية حسن استخدام إمرأة مثلها فوق الشاشة من طريق طلب تنفيذ سيناريوات جذابة تحكي مثلاً حياة بطلة يزيد عمرها على الثلاثين، وهو شيء قادر على جذب الجمهور علماً أن هذا الأخير يفتش عن حكاية حلوة ومسلية يشاهدها بصرف النظر عن عمر الأبطال، أو على الأقل في بعض الأحيان. والمنتج الرجل لا يفكر بهذا الأسلوب بل يركز اهتمامه على حشد الأفلام بوجوه نسائية شابة وأجسام تشبه تلك التي تملكها نجمات عرض الأزياء. أنا أعتذر عن كلامي هذا ولكن المنتج السينمائي الرجالي في معظم الأحيان لا يفكر في شيء سوى إرضاء نزواته الخيالية ولا يفكر إلا في جمهور الذكور مثله وهذا خطأ بطبيعة الحال. أديت دور البطولة في فيلم"تيلما ولويز"الجريء والعنيف جداً، فهل تعتبرين نفسك قد أخطأت في قبولك هذا الدور على رغم كونه ساهم في ما بعد في بناء شهرتك علماً انه جلب لأصحابه، وأنت منهم، الكثير من الانتقادات أيضاً؟ - لست نادمة بأي شكل من الأشكال على قبولي التمثيل في هذا الفيلم أو أي عمل من أعمالي حتى الآن.، وعن"تيلما ولويز"فهو فيلم مأخوذ عن رواية معروفة ومعترف بها وبجمالها على الصعيد العالمي، وربما يكون هو أنجح أفلامي بالمشاركة مع"الرجل الميت يمشي"الذي جلب لي جائزة الأوسكار كأحسن ممثلة والذي صور آخر لحظات رجل ينتظر تنفيذ حكم الإعدام به، وعلى العموم فقد منع"تيلما ولويز"لمن هم أقل من 16 أو 18 سنة بحسب كل بلد في العالم، وهذا يكفي. أنا أنظر إلى الفيلم على أنه حكاية واقعية جداً تصور بفعالية كبيرة المأساة التي تتعرض لها كل امرأة تعاني من عنف زوجها وتسكت على ذلك خوفاً من النتائج التي قد تترتب على قيامها بفضح الأمر. يشعر من يشاهد فيلمك الجديد"مستر وودكوك"أنك اضطررت إلى المبالغة في طريقة الأداء لمجرد منافسة زميلك النجم بيلي بوب ثورنتون الذي يبالغ طوال الوقت وفي كل المواقف التي تجمع بينكما، فهل هذا صحيح؟ - يؤسفني أن يكون بعضهم قد نظر إلى الأمر هكذا، والحقيقة أن الشخصية التي أؤديها تبالغ بطريقة طبيعية في كل ما تعيشه من مواقف سواء كانت حزينة أو سعيدة، والشيء نفسه بالنسبة الى الرجل الذي يؤديه ثورنتون، وهذا التقارب في طريقة مواجهة أحداث الحياة هو الذي يجمع بينهما على رغم كل الأشياء الظاهرية التي تجعل من حبهما حكاية مستحيلة. وأنا لم أفعل أكثر من اتقان شخصيتي الروائية بصرف النظر عن عنصر المنافسة بيني وبين شريكي في البطولة وهذا ما لا أفكر فيه أبداً وأنا أعمل. هل اتجهت الى الإنتاج السينمائي محبة فيه أو خوفاً من البطالة بسبب التقدم في العمر؟ - لا هذا ولا ذاك، بل لأنني بقيت فترة طويلة أرفض الأدوار المطروحة علي بسبب قلة جودتها في نظري، وأدركت في ما بعد أنني لم أكن دوماً على حق فالأفلام التي رفضتها تميزت عند نزولها إلى الأسواق بعناصر إيجابية كثيرة وأنا خسرتها بسبب خوفي من أن أقبل العمل في فيلم دون المستوى اللائق. وخفت كذلك من عدم عثوري مرة جديدة على أي دور يعجبني فرحت أشغل نفسي بمهنة ثانية فنية أيضاً وتعجبني إلى حد ما هي الإنتاج، علماً ان هذا النشاط يسمح لي بتحويل سيناريوات تعجبني إلى أعمال مرئية فوق الشاشة، حتى إذا كانت المجاذفة في كثير من الأحيان كبيرة بما أنني لا أختار أبداً المواضيع السهلة. وأنا في ذلك أشبه زوجي تيم روبينز الذي اختار الإخراج مهنة ثانية غير التمثيل ليعبر عن الأشياء التي تشغل باله في المجتمع الحالي. ولكن حبنا الأول والأبدي أنا وتيم يظل هو التمثيل بلا أدنى شك. زوجي ومعلمي هل تخشين انهيار شهرتك إذا ظهرت في فيلم أقل جودة من الأعمال التي أطلقتك؟ - كنت كذلك لكنني تغيرت ، وتطلب الموضوع مني الكثير من الوقت وإقناع الذات، فأنا تربيت فنياً على يد زوجي تيم روبينز على رغم أنني أكبره سناً، وهو عبقري فذ لا يقبل العمل إلا في الأفلام التي تثير اهتمامه وتتماشى مع المبادئ التي يؤمن بها ويطبقها في حياته اليومية. كنت ولا أزال متأثرة به وبطريقة تفكيره فهو زوجي ومعلمي ومثلي الأعلى في الحياة والفن، لكنني نضجت فنياً إلى درجة صارت تسمح لي بالتمييز بين ما قد يناسبني شخصياً أو لا يناسبني مهما كانت نظرة تيم الى الأمر. ظهرتِ في لقطات حميمة مع النجم كيفين كوستنر في فيلم"بول دورهام"، لكننا لم نشاهدك من جديد في مواقف عاطفية فوق الشاشة، لماذا؟ - أولاً دعني أقول لك أن هذا الفيلم يعود إلى بداية الثمانينات، بمعنى أنني كنت لا أزال شابة، ثم أنني لم أكن قد اشتهرت بعد ولا تزوجت من تيم روبينز. ولا أعني أن اللقطات المعنية كانت رخيصة أو مبتذلة أبداً، فهي كانت تتميز بمستوى جيد مثل الفيلم في شكل عام، ولكن الذي حدث هو تغييري خط سيري الفني في ما بعد. تتمتعين بجمال طبيعي جداً ويبدو أن التجاعيد لا تضايقك وهذا أمر نادر في هوليوود، فكيف تفسرينه؟ - لكل عمر جماله وجاذبيته، وأنا لا أؤمن إطلاقاً بعمليات التجميل ولا حتى بالبوتوكس وغيره من المواد التي تشد الجلد وتزيل تجاعيده أو تنفخ الشفاه، وأشعر برغبة حادة في الضحك كلما رأيت امرأة تلجأ إلى هذه الأساليب المزيفة من أجل أن تبدو أصغر مما هي في الواقع، فالشباب الحقيقي مثلما أقوله في كل الأحاديث التي أمنحها، عبارة عن مهارة فنية أكثر مما هو حالة مفروضة علينا. ولا أرى مثلاً لماذا يتباهى الرجل الخمسيني بشعره الأبيض وإذا فعلت المرأة الشيء نفسه بدلاً من أن تصبغ شعرها قيل عنها إنها لا تهتم بمظهرها، فهذا ليس من الإنصاف أبداً وهو وضع لن أقبل به طوال حياتي. أنت إذاً مثلما يتضح ومثلما هو معروف عنك من أشد المدافعات عن حقوق المرأة؟ - أنا أدافع عن كل مبدأ أراه يستحق الدفاع عنه، وأحدث شيء أنادي به هو الحق في الضحك مهما كانت ظروف الحياة صعبة. هل تنوين الاستمرار في التعبير مثلما تفعلينه عن وجهات نظرك السياسية؟ - طبعاً، فأنا وزوجي تيم لا يمكننا أن نغير هذه الطريقة التي أصبحت أساسية في نمط حياتنا، ونحن نسخر شعبيتنا وشهرتنا لخدمة حرية الإنسان ونؤمن بأن هذه الحرية تمر من دون أدنى شك بحرية التعبير عن الأراء السياسية أولاً، إذ أن السياسة تقود حياتنا اليومية على رغم أنفنا.